عن الجهاد لأن نقباءهم أخبروهم بما رأوا من عوج بن عنق الذي أشرنا إليه في الآية ١٢ المارة، ولهذا «قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ» لا طاقة لنا بقتالهم ولا قوة لنا على بطشهم «وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها» إن شئت أو أبيت «فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ»(٢٢) إليها معك ثم صاروا يبكون ويلومون أنفسهم على طاعة موسى بخروجهم من مصر يقولون يا ليتنا متنا فيها وبقينا على ما كنا عليه، وهموا بالانصراف والرّجوع إلى مصر، وإنما لحقهم هذا الرّعب قبل الوصول وقبل نشوب الحرب لأنهم قوم تعودوا الذلّ والاستعباد وخساسة النّفس والرّضاء بالهوان، ولم يذوقوا لذة العزّة والمهابة والحرية وأن السّيد موسى عليه السّلام يريد أن يرفعهم من حضيض الأرض إلى أوج السّماء دفعة واحدة، ولكن:
وإذا كانت النّفوس صفارا ... خسئت في مرادها الأجسام
ولم يعلموا بعد أنه:
وإذا سخّر الله سعيدا ... لأناس فإنهم سعداء
فلما رأى موسى عزمهم على الرّجوع وخبتهم عن اللّقاء وفضلوا أن يكونوا خدما للقبط كما كانوا على صيرورتهم ملوكا وأنبياء، وخافوا أن تقتل أولادهم وأنفسهم في الجهاد، وأن يغنم أموالهم العدو، ولم يخافوا من القبط الّذين قتّلوا ذكورهم واستحيوا نساءهم للخدمة خرّ موسى وأخوه هرون ساجدين لله ليريهما ما يقدر لهما وماذا يعملان مع قومهما، وصار يوشع وكالب يخرقان ثيابهما خوفا من نزول العذاب لما رأيا من غضب موسى وهرون، وهما المعنيان بقوله تعالى «قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ» مقت الله وعقابه الّذين «أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا» بالثبات على الإيمان والوفاء بالعهد، إذ لم يخبرا سبطيهما بما رأياه من الجبار عوج ابن عنق المار ذكره في الآية ١٢ «ادْخُلُوا» يا قومنا «عَلَيْهِمُ» أي الجبارين «الْبابَ» باب مدينة أريحا ولا تهابوهم، فإذا دخلتموه «فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ»(٢٣) عليهم لأن الله وعدكم النّصر فهلم ادخلوا «وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(٢٤) به وبوعده، قالوا فلما سمعوا هذا القول من كالب ويوشع أرادوا