أن يرجموهما بالحجارة فضلا عن عدم الالتفات إلى قولهما، والتفتوا إلى موسى ثم «قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها» أي الجبارون المذكورون فإذا أردت يا موسى «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا» هؤلاء الجبارين «إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ»(٢٥) ننتظر ما ينجم عن قتالكم، فإن ظفرتم بهم دخلنا وإلّا فقد سلمنا من بأسهم «قالَ» موسى بعد أن رفع رأسه وأخوه من السجود ورأيا ما هموا به على كالب ويوشع وما أراداه منهما وما أرادوه هم من وجود من يرأسهم ويرجعهم إلى مصر وعلم إياسه منهم «رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي» الذي هو في طاعتي أينما وجهته لتنفيذ أمرك «فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ»(٢٦) وهذا دعاء عليهم، لأنه طلب الحكم من الله فيما بينهما وبينهم، وكان هرون يؤمن على دعائه، فأوحى الله إليه بإجابة دعائه الذي ألهمه أثناء سجوده «قالَ» الله عز وجل يا موسى أتركهم «فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ» لا يرون هذه الأرض المقدسة بل يبقون متحيرين في أمرهم، وهذا التحريم على الأسباط العشرة الّذين نقضوا العهد وأخبروا قومهم بما رأوا من بأس الجبارين وان عوجا اقتلع صخرة من الجبل عظيمة وأراد إلقاءها عليهم فبعث الله لهدهد فثقبها فوقعت في عنقه فصرعته أما يوشع وكالب، فقد دخلاها، فلما سمع موسى كلام ربه استاء على قومه شفقة منه عليهم مع إساءتهم له فقال له ربه «فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ»(٢٧) الخارجين عن الطّاعة فإنهم يستحقون أكثر من هذا، وقد أراد الله تعالى وهو أعلم بهذه المدة أمرين الأوّل جزاء شؤمهم وتمردهم على نبيهم وعصيانهم أمره مدة أربعين يوما التي كان يعالجهم فيها لدخول الأراضي المقدسة وهم يمتنعون، فجعل عليهم التّيه والتشرد مثل تلك المدة سنين عقوبة لهم، والثاني حتى ينقرض كبارهم الّذين ألفوا الرّقّ والذل والهوان وتعودوا الخدمة والمهانة فصغرت نفوسهم عن مستواها وحقرت ولم يبق فيها حب الطموح إلى العزّة والكرامة، وينشىء الله بعدهم منهم من ينشأ جديدا في تلك الصحراء التي لا يد عليهم فيها إلّا يد الله، فيربون أحرارا أعزاء بنفوس أبية لا تعرف الضيم والرّق والذل الذي كان عليه آباؤهم، فلا تلمس أنوفهم ولا يداس حماهم ولا