وأبلغته لأمتك إذا «فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» حق تبليغها، لأن من كتم شيئا فكأنما كتم الكلّ، فداوم على التبليغ ولا تخش أحدا مهما كانت قوته ومكانته «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» ويحفظك ويمنعك من أن يصل إليك أذاهم.
والمراد بالناس هنا الكفرة لأنهم هم الّذين كانوا يريدون قتله ليتخلصوا منه، وهو إنما جاء لخيرهم رحمة لهم ونعمة عليهم وهم كثيرو الأذى عليه في القول والفعل وهو يقول اللهم اهدهم فإنهم لا يعلمون وذلك بسائق شدة عداوتهم له ولذلك لم يهتدوا إلى ما جاءهم به من الحق «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ»(٦٧) لإنزال أي أذى فيك ويعمي أبصارهم من أن ينالوك بسوء كان صلّى الله عليه وسلم إذا دعا اليهود إلى الإسلام يستهزئون به ويقولون تريد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النّصارى عيسى.
يريدون إلها، راجع الآية ١٣ من سورة مريم ج ١ فيسكت عن دعوتهم، وإذا أمر المنافقين بالجهاد وكرهوه أمسك عن أمرهم، وإذا سأله اليهود عن بعض الأحكام أحجم عن اجابتهم لعلمه أن سؤالهم عبارة عن تعنت ومكابرة فيضيق ذرعه من ذلك ويحجم عن إبلاغهم بعض الآيات لعدم ميلهم إليها، فشجعه الله في هذه الآية وأمره بلزوم تبليغهم ما يتلقاه من الوحي كله سمعوا له أو أعرضوا عنه وأن لا يبالي بما يراه من الصّدود والسخرية، وأعلمه بأنه هو الكفيل لحضرته من أذاهم وفقا لما هو مدون في لوحه المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير يقال إن حضرة الرّسول لما أوذي من قبل الكفار وشجّ وكسرت رباعيته في حادثة أحد نزلت عليه هذه الآية تشجيعا له مما أصابه، لأن هذه الآية بعد تلك الحادثة بسنتين، وسورة المائدة هذه من آخر القرآن نزولا، ولم تكن هذه الآية مسنثناة منها، إذ لم يقل بذلك أحد يعتد بقوله، ولا يوجد نقل صحيح فيه، ولا خبر واحد عدل أيضا، فهو قول واه وإن الإمام فخر الدّين الرّازي ذكر في تفسيرها عشرة آخرها أنها نزلت في فضل علي كرم الله وجهه، وعند نزولها أخد صلّى الله عليه وسلم بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. وهذا قول ابن عباس والبراء ومحمد بن علي رضي الله عنهم. تدل هذه