أيها النّاس لما أنزل الله الآية السّالفة (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) إلخ وكانت مما يستطاب عندهم قبل الإسلام وعند من لم ينكف عنها بعد نزول الآيات الثلاث المتقدم ذكرها والتي سنشير إليها بعد، ولم ينكفوا عن الميسر أيضا لشدة توغلهم فيهما وإن بعض صغار العقول لم ينتبهوا إلى مغزاها الذي أشرنا إليه في الآية ٢١٩ من سورة البقرة، بين الله تعالى في هذه الآية الأخيرة الرّابعة الحاسمة لما في هذا الباب أنهما ليستا من الطّيبات بل من الخبائث الموبقات، ولذلك قال تعالى (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) لأن السّكر يفحش كلام الرّجل فيفضي إلى النّزاع ويولد العداوة والبغضاء، وكذلك المقامر قد يؤدي قماره إلى أن يلعب على أثاث بيته وملكه بل وداره التي يسكن فيها، حتى يتوصل إلى أن يلعب على بنته وزوجته بعد فراغ ذات يده، ونفاد ملكه، بل قد يفضي إلى الانتحار فينتج عنه العداوة والبغضاء والخزي والعار أيضا، فأراد الله تعالى أن يحفظ عباده من هاتين الشّائنتين فحرمهما عليهم كما أراد صون الألوهية عن الإشراك بها، وأراد صرف عباده إلى التوكل عليه في أمورهم كلها، فحرم عليهم الأنصاب والأزلام المتقدم ماهيتها في الآية السّابقة من هذه السّورة. وكان عمر رضي الله عنه يقول اللهم بين لنا في الخمر والميسر بيانا شافيا، كما جاء في الحديث الذي رواه ميسرة عنه، وأخرجه الترمذي من طريقين، وقال رواية ميسرة هذه أصح، وأخرجه أبو داود والنّسائي بأبسط منه وإنما قال ما قال رضي الله عنه وأرضاه لما يرى ما يتولد عنهما من القبائح، وكرر مقالته هذه بعد نزول الآيات الثلاث الأولى ٦٧ من سورة النّحل المارة في ج ٢ والثانية من سورة البقرة الآية ٢١٩ والثالثة ٤٣ من سورة النّساء المارتين وكانت أحكام الله تعالى جارية على التدريج في تشريعه لعباده، راجع بحثه في المقدمة ج ١ في التدريج بالأحكام فأنزل الله هذه الآية الرّابعة القاطعة بالتحريم فلما سمعها عمر رضي الله عنه قال:
انتهينا انتهينا. وروى مصعب بن سعد عن أبيه قال صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا وشربنا، وذلك قبل التحريم زاد حتى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريش فقالت الأنصار نحن أفضل منكم فقال سعد بن أبي وقاص المهاجرون خير منكم