للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخذ رجل لحي جمل فضرب به أنف سعد فغرزه أي نخسه، فجرحه، فأتى سعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت. وقال ابن عباس رضي الله عنهما نزلت هذه الآية في قبيلتين شربوا وثملوا وعبثوا ببعضهم، ولا منافاة بين هذه الرّوايات لجواز صدورها كلها، وجواز تعدد الأسباب للنزول. وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال قال صلّى الله عليه وسلم من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرّابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال. قالوا يا أبا عبد الرّحمن وما نهر الخبال؟ قال صديد أهل النّار. وأخرجه النسائي وعنه قال قال صلّى الله عليه وسلم لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبايعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه- أخرجه أبو داود- وقد جاء من حديث عائشة رضي الله عنها أن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال كلّ شراب أسكر فهو حرام- أخرجاه في الصّحيحين- وزاد الترمذي وأبو داود: ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام (والفرق إناء يسع ستة عشر رطلا برطل المدينة وهو عبارة عن مئة وثمانية وعشرين درهما) فلم يبق مع هذا قول مقبول بشرب ما لم يسكر كثيره فقليله لا بأس به، لأنه لو شرب هذا القدر لبنا لأسكره. وقيل إن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وجماعة من الأنصار قالوا أفتنا يا رسول الله في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للمال والعقل فنزلت آية البقرة. وقد بينا الآيات النّازلة في الخمر على الترتيب آنفا وإن الإسلام عند نزول آية النّحل شربوها حلالا في مكة إذ ليس فيها ما يدل على التحريم إلّا ما يفهم من عدم وصفها بالحسن وخلاف الحسن مكروه، والمكروه يتساهل فيه النّاس. وجاء في فقه الشّافعي رحمه الله: وفاعل المكروه لم يعذب.

ثم لما أنزلت آية البقرة في المدينة تركها أناس كثير نفوسهم طاهرة عرفوا منها مغزى وصف الإثم بالكبر، فانتهوا من تلقاء أنفسهم، وتسامح الغير فلم يقتفوا لما يتقفى ولم ينتبهوا لما انتبه له أولئك الكرام، فداوموا على شربها، ثم لما نزلت آية النّساء حين أولم عبد الرّحمن بن عوف لجماعة من أصحابه وسقاهم، فقاموا إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>