للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة فقرأ أحدهم (أعبد ما تعبدون) حرّم الله السّكر في الصّلاة فقط، فصاروا بشربونها بعد العشاء والفجر لبعد المدة بين الصّلاتين بحيث يزول أثر السّكر، ثم لما أولم عتبة بن مالك لجماعة من المسلمين منهم سعد بن أبي وقاص وسوى لهم رأس بعير وبعد ان أكلوا وشربوا ووقع بينهم ما وقع كما مر آنفا أنزل الله هذه الآية التي نحن بصددها، فكانت الحاسمة لتعاطي شرب الخمر واللّعب بالقمار، وكان نزولها بعد وقعة الأحزاب. وعلى صحة هذا فتكون هذه الآية متقدمة في النّزول على سورتها كبعض الآيات المار ذكرها ويروى أن حمزة بن عبد المطلب شرب ورأى أنصاريا بيده ناضح ويتمثل في هذين البيتين من نظم كعب بن مالك:

بلغنا مع الأبواء نصرا وهجرة ... فلم ير حيّ مثلنا في المعاشر

فأحياؤنا من خير أحياء من مضى ... وأمواتنا من خير أهل المقابر

فقال له حمزة أولئك المهاجرون، فقال الأنصاري بل نحن (وذلك أن الأنصار أول من آمن منهم بالنبي صلّى الله عليه وسلم اثنان وسبعون رجلا وامرأتان، وهم الّذين بنوا الإسلام بالمدينة وصاروا مأوى للمهاجرين من أهل مكة، وساووهم بمالهم ومسكنهم وتخلوا لهم عن بعض نسائهم كما ألمعنا إليه في الآية ١٠٣ من آل عمران المارة لهذا قال ما قال) فتنازعا فجرّد حمزة سيفه، فهرب الأنصاري، فضرب ناضحه (القرب التي تنضح الماء فيترشح منها مقطعه) فشكاه الأنصاري إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال عمر مقالته المنوه بها آنفا، فنزلت هذه الآية، وقد يستبعد صحة هذه الرّواية، لأن حمزة رضي الله عنه قتل في حادثه أحد قبل نزول هذه الآية، وعند فرض صحتها تنطبق على آية البقرة لا على هذه، لأن سورة البقرة من أول القرآن نزولا في المدينة، وسورة المائدة هذه من آخر نزوله، إذ لم ينزل بعدها إلّا التوبة والنّصر، وقد أشرنا في المقدمة إلى حكمة ترتيب هذا التحريم من الله تعالى جلت قدرته، ليعلم النّاس أن أوائل هذه الأمة قد الفوا شربها وكثرة انتفاعهم يبيعها وشرائها فلم يمنعهم من تعاطيها دفعة واحدة لعظم الثقل على النّفوس إذ ذاك، وأن التدريج في الأحكام هو أحد أسس التشريع الإسلامي الثلاث ألمعنا إليها في المقدمة أيضا، ولهذا ذكرنا أن النّسخ الذي تغالى به بعض علماء النّاسخ والمنسوخ ومشى

<<  <  ج: ص:  >  >>