للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد الحلال إلّا الحرام، ولا بعد الحق إلّا الضّلال فنحمده ونشكره، وهو القائل جل قوله «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا» أكلوا وشربوا مما حرم عليهم أو لعبوا بالقمار وشربوا الخمر وأكلوا من الكسب الحرام أو فعلوا كلّ محرم قبل نزول تحريمه، فكله عفو لهم لأنهم لم يخالفوا فيه إذ لم يحرم عليهم أولا «إِذا مَا اتَّقَوْا» هذه المحرمات واجتنبوها بعد تحريمها، وما هنا صلة لتقوية الكلام وتحسينه أي إذا اتقوا وسنأتي على بحثها في الآية ١٣٦ من سورة التوبة الآتية إن شاء الله، فإذا امتنعوا عنها «وَآمَنُوا» بالله ورسوله إيمانا خالصا وأذعنوا لما نهوا عنه أولا وآخرا «وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» بعد إيمانهم واجتنابهم المنهيات «ثُمَّ اتَّقَوْا» جميع ما حرم عليهم في مستقبل زمنهم «وَأَحْسَنُوا» عملهم فيما بينهم وبين ربهم وخلقه أجمع فقد أحسنوا لأنفسهم وغيرهم «وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (٩٣) من خلقه وهنيئا لمن أحبه الله. وقد ذكرنا في سورة البقرة عند قوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) الآية ٢٣ المارة وفي الآية ٣٨ من سورة يونس ج ١ وفي مواضع أخرى أنه لا يوجد في القرآن حرف زايد أصلا، وأن كل حرف فيه يؤدي معنى خاص، كما أن ما هنا أي في قوله تعالى (إِذا مَا اتَّقَوْا) ليست بزائدة كما يقول البعض لأنها تؤدي معنى أنهم غير واثقين بالتقوى لعدم الاعتماد على النّفس، وهذا شأن المؤمن، فقد جاء في البخاري أن بعض السّلف الصّالح عرف عددا من الاصحاب يخشون النّفاق على أنفسهم لشدة تقواهم وقلة وثوقهم بأنفسهم، فتأمل رحمك الله فائدة الإتيان بما في هذه الآية ومثلها في أمكنة أخرى، وضرر القول بزيادتها لفوات هذا من المعنى المراد فيها، عصمك الله، وسنزيدك توضيحا عن مثلها في آية التوبة الآتية إن شاء الله، أما إذا لم يتقوا وفعلوا هذه المحرمات والعياذ بالله بعد تحريمها عليهم ومعرفتهم بالتحريم وعلمهم به فهم في خطر عظيم إذا لم يتداركهم الله برحمته بإلهامهم التوبة النّصوح عنها، ويدخل في هذه الآية من يدخل بالإسلام بعدها فإن الله تعالى يعفو عما وقع منه قبله ويصير حكمه حكم المؤمنين. واعلم أن كلمة (طعم) تطلق على الأكل والشّرب

والنّوم، وعلى هذا قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>