فإن شئت حرمت النّساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
النقاخ الماء والبرد النّوم ومثلها كلمة طبخ تطلق على المأكول والملبوس وعليه قوله:
قالوا اقترح شيئا تجد لك طبخة ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
أخرج الترمذي عن البراء بن عازب قال مات ناس من الأصحاب وهم يشربون الخمر، فلما نزل تحريمها قال ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم كيف بأصحابنا الّذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية. وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال لما أنزلت هذه الآية ليس على الّذين إلخ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قيل لي أنت منهم يعني قبل لرسول الله ان ابن مسعود منهم، والقائل والله أعلم جبريل عليه السّلام، وليس هذا بكثير على صاحب رسول الله وحواريه. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ» يختبركم ويمتحنكم به حال إحرامكم بالحج أو العمرة، وذلك أن الله تعالى ابتلاهم بالصيد فصارت الوحوش تغشي رحالهم، فهموا بأخذها لأنها كانت منهم، كما قال تعالى «تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ» لقربه منكم كالأفراخ والبيوض وما لا يقدر أن يفرّ أو يهرب «وَرِماحُكُمْ» تنال كبار الصّيد كحمر الوحش والغزلان والطّيور لأن الله تعالى جعله عليهم بكثرة وأوقع عليه السّكينة، وهذا كابتلاء بني إسرائيل بالحيتان إذ جعلها في يوم السّبت تعوم على وجه الماء وشاطئه ليختبرهم أيضا، فلما أجرموا عليها وأخذوها هلكوا راجع الآية ١٦٢ من الأعراف في ج ١ وذلك بسبب احتيالهم على صيدها «لِيَعْلَمَ اللَّهُ» أي ليعلم عباده لأنه عالم من قبل بما يقع منهم قبل إظهاره لهم «مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ» ممن لم يخفه أي من ينفذ أمره من حيث لم يره، فلم يصطد حالة الإحرام ممن يخالف أمره فيصيد، ولهذا قال تعالى «فَمَنِ اعْتَدى» أي صاد حالة الإحرام، وقال تعالى اعتدى بدل صاد لما فيه من التعدي على حدود الله إن صاد «بَعْدَ ذلِكَ» الاختبار والنّهي «فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ»(٩٤) في الآخرة لأن التعرض للصيد والاعتداء عليه خروج عن طاعة الله تعالى وانخلاع عن خشيته ومكابرة وعدم مبالاة في أمره ونهيه وإن لم يراع أحكام الله في هذه المسائل الهينة لا يهابه في الأمور العظيمة، ولهذا