في هذه الآية لأن تميما وعديا بعد أن وجد الإناء ادعيا أنهما اشترياه من الميت ولا بينة لهما، فلذلك حلف الورثة على أنه ملك مورثهما وأنهما لم يعلموا بأنه خرج من ملك مورثهم بوجه من الوجوه الشّرعية. واعلم أن هذه الآية وأوائل سورة البينة والآية ٧٣ من آل عمران المارتين من أصعب ما في القرآن العظيم نظما وأعرابا وحكما فكانت من أصعبها تفسيرا أيضا. قال تعالى واذكر لقومك يا سيد الرّسل «يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ» يوم القيامة للسؤال «فَيَقُولُ» جل قوله لهم «ماذا أُجِبْتُمْ» من قبل أممكم حينما دعوتموهم في الدّنيا الى توحيدي وطاعتي وهذا الاستفسار بقصد التوبيخ لأقوامهم الّذين لم يلبوا دعوتهم، وإلّا فهو عالم بمن أجاب ومن اعرض «قالُوا لا عِلْمَ لَنا» يا ربنا «إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ»(١٠٩) تعلم بما كان منهم وإنما اختاروا السّكوت عن البيان مع أنهم يعلمون بعض أحوال أممهم أدبا مع الله عز وجل، ولعلمهم بإحاطة علمه بكل شيء قد فوضوا الأمر اليه لأنه لا يعرّب عن علمه شيء مما عمله أقوامهم ولا شيء مما عملوه هم أيضا لأجلهم، وانهم وان كانوا اطلعوا على بعض ظواهر أممهم فانهم لا يعلمون بواطنهم وهو جل شأنه حليم لا يسفه وعادل لا يظلم، وانّ إجابتهم لا تدفع في ذلك اليوم عن أممهم شرا ولا تجلب لهم خيرا ما لم تتعلق به المشيئة فكأنهم قالوا لا حقيقة لعلمنا إزاء علمك البالغ ولا نعلم حقيقة أفعالهم وأقوالهم تجاه علمك بذلك حال حياتنا معهم ولا ما أحدثوه بعد وفاتنا فعلم ذلك كله مختص بعلمك. واذكر يا أكمل الرّسل لأمتك «إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ» إذ أنبتها نباتا حسنا وطهرتها واصطفيتها على نساء زمانها وهذا أول نعمة أنعمتها عليك إذ أخرجتك منها و «إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ» جبريل عليه السّلام حالة كونك «تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ» وأنت طفل أنطقتك ببراءة أمك مما وصمها به قومك «وَكَهْلًا» تكلمهم أيضا بما أعطيتك من المعجزات وأنزلت عليك الآيات، وشرفتك بالرسالة لتدعو قومك حال بلوغك سن الكهولة إلى الإيمان بك من غير تفاوت في كلامك من حيث الفصاحة في هذين الوقتين، وهذا من جملة ما خصصتك به «وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ» الإنجيل الذي أنزلته عليك بعد أن