علمتك الكتابة والقراءة تتلو عليهم، وقيل إنه علمه كتب الأولين النّازلة على الأنبياء قبله لأن فيها التوراة، مع أن التوراة ستأتي بعد، ولهذا فالأحسن الإيراد بالكتاب هنا الكتابة بالقلم «وَالْحِكْمَةَ» الفهم والاطلاع على أسرار العلوم والعالم والكلام الصّائب المحكم وحقائق الأشياء «وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ» قراءة وتلقينا ولفظ الكتاب يطلق على التوراة والإنجيل والزبور والقرآن فقط حقيقة، ومجازا على جميع الكتب والصّحف، ومن المعلوم أن ما قبل التوراة كلها صحف لا كتاب قبلها البتة، لهذا فإن تأويل الكتاب بكتابة القلم أولى «وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ» خلقا تصوره بيدك «كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي» لك في ذلك وتعليمي إيّاك تقوية لدعوتك «فَتَنْفُخُ فِيها» في
الصّورة التي صورتها من الطّين على هيئة الطّير ويجوز إعادة الضّمير إلى الطّير لأنها مؤنثة. قال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) الآية ١٩ من آل عمران المارة تذكير الضّمير، وهناك يعود إلى الكاف من قوله لكم أو إلى الطّين والمراد الشيء المماثل لهيئة الطّير «فَتَكُونُ» تلك الصورة المنفوخ فيها «طَيْراً بِإِذْنِي» بأمري وكرره تأكيدا لكونه وقع وصار كما أراد بتوفيق الله تعالى وقدرته لا بتخليق عيسى ومعرفته، لأن المخلوق لا يخلق وأن التصوير بغير الرّوح لا يسمى خلقا «وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ» مطموس العينين ولادة، فكأن عليه السّلام تعلم ذلك بتعليم الله إياه وأمره أن يشق له موضع عينيه فتكون له عينان يبصر بهما كغيره من الحيوان بلا فرق «وَالْأَبْرَصَ» تبرأ أيضا بمجرد مسحك إياه «بِإِذْنِي» وأمري «وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى» من قبورهم أحياء، كما صح أنه عليه السّلام نادى ساما بن نوح عليه السّلام من قبره فقام، راجع الآية ٥٠ من آل عمران المارة، مع أنه مرّ على وفاته آلاف السّنين وأحيا العازر، وابن العجوز، وبنت العشار، وغيرهم ممن مات حديثا ودفن، ولا فرق في ذلك، لأن الله تعالى يقول كان ذلك «بِإِذْنِي» وإذا كان بإذنه وأمره فيستوى عنده القديم والحديث، والبالي والباقي، فهو الفاعل الحقيقي لهذه الأشياء، وإنما أجراها على يد رسوله عيسى عليه السّلام معجزة له وعدها من جملة نعمه عليه في الدّنيا «وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ» حين أرادوا