أيامها عدا لما يترتب على انقضائها من أمور عظيمة، ومن قال أنها الأشهر الحرم الأربعة المعهودة المعلومة فلا دليل يؤيد قوله، إلا إذا أراد أن أولها عشرون من
ذي الحجة والمحرم كله من الأشهر الحرم وآخرها هو ربيع الأوّل وعشر من ربيع الثاني أدخلها معها فسمّاها كلها حرما تسامحا لأن صفر والرّبيعين ليسوا من الحرم، أما إذا أراد بها غرة شوال الذي كان بها نزول الآية فقد أخطأ أيضا ولم يصب الهدف إذ ليس شوال من الأشهر الحرم، ورجب لم يدخل فيها إذ لا عبرة لتاريخ النّزول، لأن النّاس لا يعلمون به، وإنما العبرة لتاريخ التبليغ، بدليل قوله تعالى (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) أي بعد الإنذار الكائن في التاسع من ذي الحجة، تأمل.
«فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» في الحل والحرم قاتلوا أولم يقاتلوا لأنهم أنذروا وأمهلوا لكي يؤمنوا ولمّا لم يفعلوا فلم تبق لهم حرمة «وَخُذُوهُمْ» أسرى واسلبوا أموالهم «وَاحْصُرُوهُمْ» في قراهم وديارهم وضيقوا عليهم في ملاجئهم وامنعوهم من الفرار من مكة حتى يؤمنوا أو يهلكوا «وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ» ممر يمرون به أو مجاز يجتازونه أو محل يختفون فيه أو مغارات يختبئون بها أو سريا ينفذون منه لمحل يقبهم أو غيره، فضيقوا عليهم الطّرق كافة حتى يؤخذوا من كلّ جهة فيضطروا إلى الإيمان قسرا «فَإِنْ تابُوا» من شركهم وآمنوا إيمانا صحيحا «وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ» اتركوهم لأنهم صاروا مثلكم لا فضل لكم عليهم إلّا بقدم الإسلام وزيادة التقوى «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» كثير المغفرة لما سبق منهم بعد أن تابوا وأنابوا «رَحِيمٌ»(٥) بعباده لا تضيق رحمته التي وسعت كلّ شيء عمن التجأ إلى بابه ورجع إليه من خلقه بل يقبل توبتهم ويرفع القتل والسّبي عنهم ما لم يكونوا في حالة يأس من الحياة.
قال تعالى «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ» استأمنك يا سيد الرّسل ودخل في جوارك وأمانك بعد انسلاخ المدة المذكورة أو في أثنائها «فَأَجِرْهُ» آمنه على نفسه وماله وأهله ولا تقتله «حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ» ويعرف ما له من الثواب إن آمن وما عليه من العقاب إن بقي على كفره، فإن آمن بعد ذلك فقد نجا، وإلّا فلا سبيل لك عليه حالة كونه في جوارك وما دام في