أمانك «ثُمَّ» بعد أن تيأس من إيمانه لا تقتله أيضا بل «أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ» دار قومه التي يأمن فيها بأن توصله إليها بأمانتك وتحت خفارتك كما أتاك آمنا لئلا تنسب إلى الغدر أو التغرير أو غيره لأنه بعد أن أصر على كفره فإن تركته وشأنه يخشى عليه من أن يفتك به قبل وصوله أهله من قبل أصحابك بحجة انه كافر لا أمان له فتخفر ذمتك واعلم ان قبول المستأمن وإبلاغه إلى المحل الذي جاء منه أو الذي يأمن فيه على نفسه وماله وأهله واجب على المستأمن والمجير وكلّ من يعقل ويعلم واجبات نفسه وغيره ويحفظ سمعته وسيرته «ذلِكَ» الأمر بأمن المستأمنين على كفرهم «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ» ما يراد منهم في الآخرة ولا ما يكلفونه في الدّنيا فهم محتاجون إلى الإرشاد، فإذا نصحوا وتبينت لهم معالم الدّين ولم يقبلوا فتكون عليهم الحجة، ومن أنذر فقد اعذر وهذه الآية عامة محكمة واجب العمل بها إلى يوم القيامة. قال تعالى على سبيل التعجب «كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ» وهم غير مؤمنين بها أي لا يكون لهؤلاء عهد عندهما البتة لأنهم ينقضون عهودهم وينكثون مواثيقهم ويخلفون وعودهم ويغدرون من استأمنهم، وهكذا شأن كلّ من لا يؤمن باليوم الآخر، لأن من يؤمن به يخاف الحساب والعقاب فيفي بوعده وعهده. ثم استثنى جل جلاله من ذلك طائفة خاصة بينها بقوله عز قوله «إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» ولم ينكثوا كبني حمزة فهؤلاء تربصوا بهم لانقضاء عهدهم واتركوهم الآن «فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ» على العهد ووفوا لكم بشروطه «فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ» على الوفاء وإياكم أن تنكثوا بهم وبكل معاهد لأن المحافظة على المواثيق من سمات المؤمنين وواجباتهم، واتقوا الله في عهودكم كلها واحذروه من أن تنقضوا شيئا منها «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ»(٧) نقض العهود وخلف الوعود والموفين بها والعهد هو العقد الموثق باليمين، والبراءة خاصة بالمعاهدين، والأذان المذكور بالآيتين لفظه عام فيهم وفي غيرهم قال تعالى:
«كَيْفَ» يكون للمشركين عهد وهم إن يظفروا بكم «وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ» بعد توكيد الأيمان «لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا» حلفا وقرابة «وَلا ذِمَّةً» عهدا وميثاقا «يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ» بكثرة ما يحلفون لكم وما يعطونكم