«إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ»(٥٢) بكم إحدى تلك السّوأتين، فابقوا على غيظكم إن الله ناصرنا عليكم «قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً» من تلقاء أنفسكم مختارين «أَوْ كَرْهاً» رغم أنوفكم بإلزام الله تعالى إياكم الإنفاق مقسورين، وهذا ردّ على المنافق جد بن قيس المار ذكره «لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ» لكونه ليس عن طيب قلب ولم يرد به وجه الله. وتعم هذه الآية كلّ من لم يطلب وجه الله بصدقته ولم تكن عن طيب نفس. ثم بين الله تعالى سبب عدم قبول نفقتهم بقوله عز قوله «إِنَّكُمْ كُنْتُمْ» ولا تزالون الى نزول هذه الآية «قَوْماً فاسِقِينَ»(٥٣) خارجين عن الطّاعة، والخارج عن طاعة الله لا يقبل منه صرفا ولا عدلا، قالوا وبأثناء الطّريق ضلت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال بعض المنافقين يزعم أنه نبي ولا يدري أين ناقته، فأطلع الله نبيه على قوله فقال عليه الصّلاة والسّلام اني والله لا أعلم الغيب ولا أعلم الا ما علمني ربي، وقد دلني عليها وهي الآن في الوادي في شعب كذا وكذا، وقد حبستها شجرة بزمامها، فذهبوا فوجدوها كما ذكر صلّى الله عليه وسلم، وأتوا بها وهذا من معجزاته صلّى الله عليه وسلم كغيرها لأنها في الاطلاع على الغيب والإخبار به، قال تعالى «وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ» لجحودهم طاعتهما فكان جحودهما لذلك كفرا، والكفر مانع من قبول الصّدقات، لأنها لا تكون خالصة لله تعالى لأن الصّدقة من نوع العبادة، ولا تقبل العبادة إلّا إذا كانت خالصة لله، راجع الآية الأخيرة من سورة الكهف ج ٢. وهؤلاء المنافقون لا يخلصون صدقاتهم لله «وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى» لأنهم لا يرجون ثوابها ولا يخافون عقاب الله على تركها «وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ»(٥٤) لأنهم يعتقدون الصدقة غرامة ومنعها مغنما، ولذلك ذمهم الله تعالى بقوله عز قوله «فَلا تُعْجِبْكَ» يا حبيبي «أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ» التي استدرجناهم بها ليبطروا فإنها من متاع الدّنيا الفاني، وما كان كذلك فلا يستحق ان يتعجب منه، وما أعطاهم الله تعالى إياه لتكون نعمة يستقيدون ثوابها، بل نقمة «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» لما فيها من المشاق في تحصيلها وحفظها والغم بما يقع