عليها من المصائب والهمّ بمعيشتها وجمعها وعدم الثواب بما يقع عليها من المحن لصاحبها، لأنه لا يعتقد بوجود الآخرة ولا أنه مخلوق لها، بخلاف المؤمن فإنه يعتقد ذلك، فيثاب على ما يصيبه فيها، وأولئك يحرمون منها «وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ» متحسرين على ما فاتهم منها وما خلفوه فيها، وما جمعوه لها بكدّ يمينهم وعرق جبينهم وتركوه لغيرهم ولم يتمتعوا به فماتوا «وَهُمْ كافِرُونَ»(٥٥) بالله والكافر لا ينتفع بما يورثه ولا بما يوصي به، لأن عاقبته النّار، فلهذا تكون نعمهم في الدّنيا نقما عليهم في الآخرة، ومن مثالبهم وكذبهم طفقوا يتقولون على أثر مصاب أهل الكتاب والكافرين مما أوقع فيهم المسلمون «وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ» وانهم آمنوا بربكم وكتابكم ورسولكم أيها المؤمنون يضرهم شركم ويسرهم خيركم «وَما هُمْ» في الحقيقة «مِنْكُمْ» وأن حلفهم كذب
ولا زالوا كما كانوا يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان صورة تقية ليغرّوكم، فلا تقبلوا منهم ولا تصدقوهم في شيء من ذلك، وإن حلفوا «وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ»(٥٦) يخافون منكم أن تطلعوا على نفاقهم، فتفعلوا بهم فعلكم بالكفرة أو بأهل الكتاب، ولهذا يبادرونكم بالإيمان ويحلفون على ذلك لتصدقوهم كي يأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم.
ثم بين تعالى بيانه ما يحوك في صدورهم بقوله «لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً» يلجأون إليه «أَوْ مَغاراتٍ» يختفون بها عنكم «أَوْ مُدَّخَلًا» نفقا وسربا في الأرض يندسون فيه، أو شيئا آخر يتحصنون به منكم أو يتغيبون عن وجوهكم «لَوَلَّوْا إِلَيْهِ» سراعا وتحرزوا به وتركوكم «وَهُمْ يَجْمَحُونَ»(٥٧) يقفزون هربا للتخلص من رؤيتكم لا يردهم شيء كالفرس الجموح العزوم لشدة بغضهم إيّاكم، ولكنهم لم يجدوا شيئا من ذلك، فاضطروا الى البقاء معكم، وشرعوا يختلفون الطّرق التي تقنعكم بأنهم صاروا مثلكم في الإيمان، ويؤكدوه لكم ذلك بما يرضيكم من صنوف التملق والتودد لكم بأيمانهم الكاذبة وتقاتهم تقية لكم ومنكم، وفي الحقيقة هم أشد النّاس كراهة لكم «وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ» يا حبيبي «فِي الصَّدَقاتِ» يعيبك ويطغى عليك في قسمتها وإعطائها أناسا دون أناس، ويسخرون فيما بينهم عليك في ذلك كأنك لم تعدل بها ولم تعطها لمستحقيها، ولكنهم «فَإِنْ أُعْطُوا