وعلى كلا القولين فليس لأهل المدينة ولا من حولها من الأعراب كافة أن يتخلفوا عن حضرة الرّسول إلّا المرضى والضّعفاء والعاجزون، فلهم التخلف بنص الآية ٩٢ المارة، وبقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) الآية الأخيرة من البقرة المارة، لأنهم غير مكلفين بالجهاد. أما إذا خرجوا من تلقاء أنفسهم لتكثير سواد المسلمين وخدمتهم حسب المستطاع فلا بأس وهم مثابون كما أشرنا في الآية ٩٢ المذكورة. وليعلم العاقل أن الذهاب للجهاد لا يعد سببا للموت إذا كان في الأجل فسحة، وإذا حل مات على فراشه وهو في مأمن منه حسب ظنه قال:
وقد يهلك الإنسان من باب أمنه ... وينجو بحول الله من حيث يحذر
يرى الشّيء مما يتقي فيخافه ... وما لا يرى مما يقي الله أكثر
كما أن المرض قد لا يكون منضيا للموت، وقد يحدث صحيحا على حين غفلة. روى أن الخليفة المقتفي مرض مرضا شديدا فنوى إن هو برىء أن يفعل خيرا، فلما برىء شغل عما كان نواه، ثم مرض مرضه الذي مات فيه فتذكر ما نذره في مرضه الأوّل وما فرط منه في ذلك بكى وأنشد:
إذا مرضنا توبنا كلّ صالحة ... وإن شفينا فمنا الزيغ والزلل
نرضي الإله إذا خفنا ونسخطه ... إذا أمّنا فما يزكو لنا عمل
قال تعالى «وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً» إلى طلب العلم والجهاد «فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ» راجع الآية ٦٦ المارة في معنى الطّائفة من حيث إطلاقها على الواحد والجماعة والعشرة «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ» ولا يخرجون جميعهم فيتركون بلادهم وذراريهم وأموالهم ونساءهم تحت الخطر، فلا يصح لهم ذلك ولا يستقيم، ولا ينبغي فعله، بل يخرج أناس للجهاد وطلب العلم ويبقى الآخرون للعمل والحراسة «وَلِيُنْذِرُوا» هؤلاء الخارجون لطلب العلم وتعلم أمر الدّين «قَوْمَهُمْ» وتعلقاتهم وغيرهم الّذين بقوا للعمل والحراسة ويرشدوهم لما تعلموه «إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ» بعد إكمال تحصيلهم، وليكن قصدهم هذا لا الترؤس عليهم، ولا أخذ أموالهم أجرا عما يعلمونهم، ولا التباهي والتفاخر عليهم بما تعلّموه «لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»(١٢٢) مناهي الله فلا