يقربونها، ويعرفون أوامره فيفعلونها، وكلمة لولا تفيد الحث على ذلك بشدة لما فيها من معنى الأمر. واعلم أن صدر هذه الآية له وجهان الأوّل ما ذكرناه في تفسيرها باختصاصها في طلب العلم فتفيد الوجوب على كلّ مستعد له من جماعة سلوك العلم لا على الجمع، لأن العلم باعتباره علما يشمل الأصول والفروع، يكون طلبه على طريق الكفاية. أما علم الحال المتلبس به الشّخص فعلى طريق العين، فمن أراد النّفقه في الدّين فلينفر في سبيله ويسلك طريق التزكية والتصفية حتى يظهر العلم على لسانه متفجرا من قلبه، فالعلم يكون بالتعلم فلا ينزل على الشّخص من السماء إلّا على خرق العادة، وكذلك لا يخرج من تخوم الأرض. والمراد من النفقة رسوخ العلم في القلب ليتغلغل في عروق النّفس فيظهر أثره على الجوارح فيمنع صاحبه ارتكاب ما حرّم الله بكليته، وإلّا فإذا بقيت جوارحه تخالف ما علمه لا يكون عالما، ألم تر كيف سلب الله العلم من الرّاهب الذي أشار الله إليه في الآية (١٧٥) من الأعراف في ج ١ حتى سماء الله غاويا. قال تعالى «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» الآية ٢٨ من سورة فاطر في ج ١، لأن رهبة الله التي تحصل للعالم تمنعه من مخالفته سرا وجهرا، فإذا تفقه العالم وظهر علمه على جوارحه أثر في غيره فيسمع قوله، ويؤتمر بأمره، وينتهى بنهيه، لأن النّاس يرتدون بما يترشح عليهم منه كما كان حال حضرة الرّسول مع الأصحاب، إذ صاروا بعد الجهل المركب علماء كاملين عارفين، وقد أنزل الله تعالى على بني إسرائيل:
يا بني إسرائيل لا تقولوا العلم في السّماء من ينزل به، ولا في تخوم الأرض من يصعد به، ولا من وراء البحر من يعبر ويأتي به، العلم مجعول في قلوبكم، تأدبوا بين يدي الله بآداب الرّوحانيين، وتخلقوا بأخلاق الصّديقين، أظهروا العلم في قلوبكم حتى يغمركم ويغطيكم، وهذا على القول بأن الطّائفة المتأخرة هي المراد بما تعلم العلم، فيكون المراد منها أنه يجب على كلّ فرقة من فرق البلاد أن يشدّوا الرحال في زمن الرّسول إليه لطلب العلم، والآخرون لجهاد العدو، وبعد زمن الرسول إلى المحل الذي فيه العلماء، فيتعلمون منهم أصول الدّين ويعودون فيعلمون قومهم، لأن هذه الآية تحتوي على أمرين: الأمر بالهجرة، والأمر بالجهاد. وأمر