ولا حيف. وقد ذكرنا أن علم الحال واجب على كلّ فرد من أفراد الأمة.
ومنه معرفة العقود وما يفسدها أو يبطلها إذا كان يتعاطى البيع والشّراء وغيرهما.
وبصيرة عامة كلّ ما هو لازم له من العبارة والمقالة. وهناك أحاديث تتعلق في هذا البحث كثيرة لا يسعها هذا السّفر فنسأل الله أن يجعلنا من العالمين العاملين به، النافعين لعباد الله، الخالين من شوائب السّمعة والرّياء وحب الجاه ونشر الصّيت ورفع القدر، إنه على كلّ شيء قدير وبالإجابة جدير. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ» لما كان القتال واجبا على المسلمين لجميع الكفرة أمر الله تعالى بأن نقاتل أولا الأقرب منهم فالأقرب لدار الإسلام، إذ ليس من العدل أن يقاتل البعيد ويترك القريب إذ لا يؤمن منه أن ينتهز فرصة غياب القوة الحامية للبلاد الاسلامية وقراها فيهجم على بلادهم وذراريهم ونسائهم وأموالهم فيستولي عليها ويتحصّن بها، فيقتل ويسلب كيف شاء ويعود أو يبقى بها، وهذا من قبيل التعليم والإرشاد من الله تعالى إلى عباده فيما هو من صالحهم، وباب عظيم من أبواب الحرب يعلمه الله تعالى لعباده ليقوا أنفسهم من عدوهم إذا غفلوا عن الأخذ به. هذا ولا وجه لقول من قال إن هذه الآية منسوخة بآية القتال المارة، لأنها نزلت بعد الأمر بقتال المشركين كافة، والآيات قبلها والمقدم لا ينسخ المؤخر قولا واحدا، وهي آخر آية نزلت في القتال، لأن الله تعالى لما أمرهم بقتال جميع المشركين الواردة في الآية ٢٨ المارة أرشدهم إلى الطّريق الأصوب بذلك بأن يبدأوا أولا بقتال الأقرب في ديارهم، فمن يليهم في البعدية تدريجا ليأمنوا على من وراءهم، لأن قتال الأبعد والأقرب دفعة واحدة فيه خطر الالتفاف والتطويق. وفي قتال الأبعد قبل الأقرب أشد خطرا في التطويق والالتفاف ومظنة قطع المواصلات والتحاق الأطراف بهم، مما يزيد في شكيتهم ويكثر سوادهم ويزيد الخطر على المؤمنين، ولهذا أول ما بدأ صلّى الله عليه وسلم بقتال قومه المختلطين مع أصحابه المتداخلين معهم ليأمن غائلتهم، ثم انتقل إلى العرب الآخرين القاطنين في الأطراف، ثم إلى أهل الكتاب المحيطين في المدينة، ثم إلى الرّوم العيدين عنه، وهكذا أصحابه ومن بعده رضوان الله عليهم أجمعين، إذ بدأوا بقتال أعدائهم