للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأقرب فالأقرب في بلاد المسلمين حتى استولوا على غالب الأمصار بصورة تدريجية بتوفيق الله تعالى. ويدل قوله تعالى «وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً» شدة وعنفا في القول والمشي قبل القتال ليستدلوا على قوتكم وشجاعتكم ومناعتكم ويحظر على المؤمنين أن يلينوا جانبهم لأعدائهم، بل يظهروا لهم الجلد وكلّ خشونة وعنفوان، وأنهم يتفقؤون عظامهم لما في هذا من إيقاع الرّعب في قلوبهم وإذلالهم، وعليهم أن لا يتقوهم بشيء ويتقوا الله في جميع أحوالهم «أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (١٢٣) بالمعونة والنّصر والغلبة وقهر الأعداء. واعلم أن الغلظة تقرأ بفتح الغين وكسرها وضمها وخير الأمور أوساطها، ومعناها النّهاية في الشّدة قال تعالى (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) الآية (٧٥) المارة (ومنهم من أول الغلظة بالشجاعة والغيظ هي ضد الرّقّة) وأقوى تأثيرا في الزجر والمنع عن القبيح. واعلم أن الأمر قد لا يكون مطردا في هذا الباب بل قد يحتاج تارة إلى الرّفق واللّطف، وأخرى إلى الضّيق والعنف، وهذا هو معنى (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) أي أنه لا يجوز الاقتصار على اللّين ولا على الغلظة، لأن اللّين يطمع العدو، والغلظة تنفره، وهذا في كلّ دعوة تتصل بالدين فتكون أولا بإقامة الحجة مع اللّين والرّأفة، وعند الإياس بالقتال والشّدة، ويشير قوله تعالى (أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) إلى أن الإيمان والقتال على الوجه المار ذكره من باب التقوى، والمراد بالمعيّة الولاية الدّائمة راجع قوله تعالى (اللَّهَ مَعَنا) في الآية (٤١) من هذه السّورة، وقوله تعالى (وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ) في الآية ١٣ من سورة المائدة وقوله تعالى (وَاللَّهُ مَعَكُمْ) في الآية ٤٥ من سورة محمد المارات وما ضاهاها. قال تعالى «وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ» من القرآن العظيم وهذه عطف على قوله تعالى «وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ» في الآية ٨٥ المارة إلّا أن هذه وصلت بها ما للتأكيد والتحسين.

مطلب في ما بعد إذا ومثالب المنافقين ومنة الله على عباده بإرسال محمد صلّى الله عليه وسلم:

واعلم أن ما توصل بإذا في كلّ ما لا يتطرقه النّفي في الكلام بعدها، أما فيما يتطرقه النّفي كالآية المعطوفة هذه عليها فلا تتصل بها ما، ومثل (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>