للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها الذي أحدث الصّدأ بها علاوة على رجسها المتخزن بدخائل طباتها فصيّرها لا تعي الحق ولا تميزه على الباطل، لأنهم كلما أحدثوا سخرية بآيات الله أحدث الله زيغا في قلوبهم فيتكاثف عليها فتعمى، ولهذا كان هذا السّؤال من بعضهم. وقد سمى الكفر رجسا لأنه أقبح الأشياء وهو كلّ شيء مستقذر «وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ» (١٢٥) بآيات الله بسبب إصرارهم على الاستهزاء بها. واعلم أنه كما أن الإيمان يزيد وينقص، فكذلك الكفر، لأن من كفر بموسى ثم كفر بعيسى يكون أشد كفرا من كفر بموسى ومات على كفره، وكذلك من كفر بعيسى وكفر بمحمد صلوات الله وسلامه عليهم وعلى إخوانهم الأنبياء أجمعين، وهكذا كلما جحد الإنسان شيئا من شرائع الدين وأنكر ما جاءت به الرّسل عن الله وارتكب جرما حرمه الله عليه ازدادت جرائمه وقبائحه واستخفافه بآيات الله فيزداد الكافر كفرا والفاجر فجورا. وان التمادي في التعنّت والبغي والطّغيان يسبب تكاثف الصّدإ على القلب، وكذلك عدم المبالاة بالله ورسله وكتبه تزيد رين القلب فيصير مطبوعا عليه والعياذ بالله، فيستوي عنده الخير والشّر، ويميل طبعه الخبيث إلى السّخرية والاستهزاء، قال عليه الصّلاة والسّلام إن الإيمان يبدو لمعة بيضاء في القلب وكلما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض حتى يبيض القلب كله، وأول النّفاق يبدو لمعة سوداء في القلب وكلما ازداد النّفاق ازداد ذلك السّواد حتى يسود القلب كله، وأيم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود. فتفيد هذه الآية والحديث على أن الرّوح لها مرض وهو الكفر والنفاق والأخلاق المذمومة والآداب السّافلة، ولها صحة وصحتها الإيمان والإخلاص فيه والأخلاق الممدوحة والآداب الفاضلة، وإن زيادة الإيمان بزيادة هذه الأعمال الكريمة ونقصه بنقصها، وزيادة الكفر بزيادة تلك الأفعال الذميمة ونقصه بنقصها. قال تعالى «أَوَلا يَرَوْنَ» هؤلاء المنافقون «أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ» بأنواع البلاء، ويختبرون بأصناف الشّقاء ويمتحنون بأضراب الشّدة والرّخاء «فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ» هذا لمجرد التكثير لا لبيان العدد، أي أنهم يبتلون ببلاء كثير مما يذكرهم عاقبة عتوّهم ومغبة طغيانهم عند وقوفهم بين يدي رب العزّة والعظمة،

<<  <  ج: ص:  >  >>