فلو علموا هذا يقينا لأدى إلى لزوم رجوعهم إليه وتوبتهم مما هم عليه، إلا أنهم يعلمون بسبب الغشاوة الغاشية قلوبهم المانعة من تأثرها بالآيات «ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ»(١٢٦) ليتعظوا بها أو يتأثروا منها، لأنها كما أخبر الله لا تؤثر فيهم فيزداد بغيهم واشتهارهم فيها فيزدادون مقتا عند الله، راجع الآية (٤٤) من سورة فصلت في ج ٢. قال تعالى «وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ» ببيان عيوبهم وما يتناجون به في شأن حضرة الرّسول وأصحابه ويلصقون بهم من المثالب وما يضمرونه لهم من السّوء «نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ» يتغامزون بعيونهم وحواجبهم تعجبا وسخرية بما ينزل ويشير بعضهم إلى بعضهم بالهرب عن أعين النّاس خوف التصريح بالفضيحة، قائلين لبعضهم «هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ» من المؤمنين إذا انصرفتم هلم انصرفوا
قبل أن يطلعوا عليكم فينهوكم ويقرّعوكم ويوبخوكم «ثُمَّ» أي بعد أن تواطلوا على الهزيمة «انْصَرَفُوا» من المجلس الذي أنزل فيه القرآن خشية أن يصارحوهم بما وقع منهم «صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ» عن الإيمان بها وأهمها وأعمها عن التعقّل فيها مجاراة لتهاونهم فيها وجهلهم بعاقبة أمرهم «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ»(١٢٧) معنى الآيات ولا يفهمون مغزاها، ولا يتفكرون فيما ترمي إليه، ولا يعقلون معناها، لأنهم حرموا لذة الإيمان بها لعدم تخلّقهم على فطرة التوحيد والعرفان وعدم اتعاظهم بما انطوت عليه آيات هذا القرآن، وصرفوا أوقاتهم في اللّغو وهفوات اللّسان وكلّ ما لا خير فيه من الكلام، وليس في قرنائهم من يرشدهم لأنهم مثلهم، قال الإمام الشّافعي رحمه الله:
لا خير في حشو الكلا ... م إذا اهتديت إلى عيونه
والصّمت أجمل بالفتى ... من منطق في غير حينه
وعلى الفنى بطباعه ... سمة تلوح على جبينه
من ذا الذي يخفى عليك إذا نظرت إلى [قرينه] قال محمد بن إسحاق لإخوانه إذا قضيتم الصّلاة فلا تقولوا انصرفنا من الصّلاة فإن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم، ولكن قولوا قد قضينا الصّلاة. والقصد من قوله هذا رحمه الله التفاؤل بترك هذه اللّفظة الواردة فيما لا ينبغي. والترغيب في تلك