اللفظة الواردة في الخير فإنه تعالى قال (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) الآية في آخر سورة الجمعة المارة. قال تعالى مخاطبا مؤمني العرب ضاربا الصّفح عن المنافقين والكافرين، إذ ختم ما أنزل بحقهم كما هو في علمه «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ» من قبل الله تعالى وقد جعله «مِنْ أَنْفُسِكُمْ» ومن جنسكم تعرفون نسبه وحسبه ومكانته في قومه ليكون بينكم وبينه جنسية نفسانية بها تقع الألفة بينكم وبينه، فتخالطونه وتختلطون معه بتلك الأسباب فتتأثر من نورانيتها المستفادة من نور قلبه أنفسكم فتتنور بها وتنسلخ عنها ظلمة الجبلة والعادة التي كنتم عليها قبل إسلامكم، وإذا كان كذلك فأنتم أولى بنصرته وموالاته من غيركم، لأنه أكمل شرفكم ورفع شأنكم وأعلى فخركم، فأبدل ذلكم عزّا، وانحطاطكم رفعة، وفقركم غنى، وقرأ ابن عباس بفتح السّين أي من أنفسكم وأفضلكم وأحسنكم، وهذه القراءة جائزة إذ لا تبديل فيها ولا زيادة ولا نقص.
راجع الآية ١١ من سورة الحج المارة. أخرج الترمذي عن العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال قلت يا رسول الله إن قريشا جلسوا يتذاكرون حسبهم بينهم، فقالوا مثلك كمثل نخلة في كدّية (بضم الكاف وتخفيف الدّال الأرض الغليظة والصّفات الشّديدة العظيمة والشّيء الصّلب بين الحجارة والطّين) من الأرض، فقال صلّى الله عليه وسلم: إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فريقهم، وخير الفريقين، ثم تخيّر القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثم تخيّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا. وروى مسلم عن وائلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم. واصطفاني من بني هاشم. وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا. حتى كنت من القرن الذي كنت فيه. وهذا الرّسول أيها المؤمنون «عَزِيزٌ» شاق صعب عظيم شديد «عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ» أي ما تعملونه من المكروه والإثم لزيادة رأفته بكم، وكثرة غيرته عليكم لأنه يراكم بمثابه أعضائه وجوارحه، فكما يشق عليكم تألم شيء منها يشق عليه ما يصيبكم من كلّ سوء،