بكم ولا باستعانتكم، كما لا حاجة للانسان إلى العضو المتعفن الفاسد، بل يجب قطعه لئلا يسري لغيره «لا إِلهَ» في الوجود ولا مؤثر في الكون ولا هادي للمضل «إِلَّا هُوَ» وحده ناصرك ومعينك وكافيك عن كلّ خلقه وهو المعول عليه بالاستقلال والإحاطة والاستيلاء التام «عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ» لا على غيره، إذ لا رب سواه فهو الباقي وما سواه هالك فلا حول ولا قوة إلّا بالله الذي من يتوكل عليه يكفيه، ومن يرجع إليه يغنيه عن كلّ أحد، إذ لا فعل ولا منع ولا عطاء إلّا منه، إليه أنبت وأسلمت وآمنت «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»(١٢٩) تقرأ على الكسر على انه صفة العرش، لأنه أعظم مخلوقاته، لما ورد أن أرضكم هذه بالنسبة لعرش الرّحمن كحلقة
ملقاة في فلاة، وبالرفع على أنه صفة لله تعالى والله سبحانه هو الكبير العظيم بأسمائه وصفاته وأفعاله، المستحق للتعظيم بأفضاله وآلائه. والمراد من عظم العرش كبر جرمه واتساع جوانبه على ما هو مذكور في الأخبار، ومنها ما ذكر آنفا، والمراد من وصف الإله بالعظم وجوب الوجود والتقديس والتنزيه عن الجسمية والأجزاء والأبعاض ووصفه بكمال القدرة وكونه مبرأ من أن يتمثل في الأوهام أو تصل إليه الأفهام. قال أبو بكر وهذه القراءة (أي قراءة العظيم بالرفع) أعجب لأن جعل العظيم صفة للرب العظيم أولى من جعله صفة العرش (أي وإن خصّصها الغير) ويوجد في القرآن أربع سور مختومة بلفظ العظيم: هذه والحديد والواقعة والحاقة. هذا وقد ذكرنا أوّل هذه السّورة أنها نزلت كلها جملة واحدة، كما أشرنا إليه في الآية (٢٧) المارة، وقال الحسن إن هاتين الآيتين الأخيرتين من آخر ما نزل من القرآن وما نزل بعدها قرآن.
والمراد بقوله هذا أنهما نزلتا بآخر هذه السّورة لا وحدهما أما قوله ما نزل بعدهما قرآن، فلا يتجه إذ نزل بعدهما من السّور سورة النّصر، ومن الآيات آية المائدة الخامسة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وآية البقرة ٢٨٢ وهي (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) على أصح الأقوال، ومن قال ان الآيتين الأخيرتين من هذه السّورة نزلتا بمكة قيل لا مبرر له ولا عبرة به ولا قيمة له، وكان هذا القائل نظر لما فيهما من التفريض فقال ما قال، لأن هذه السّورة جاءت بالجزم والعزم ومقام