للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلب متى يجوز للقلة أن تقاوم الكثرة ومن لوازم الصبر المتقدمة عليه القوة المادية، والقوة القلبية المعنوية، فكثيرا ما نرى ونسمع، أن رجلا واحدا قاوم جماعة عشرة فما فوقها وغلبها، لا تزاره بالصبر، وتسلحه بقوة الجنان، وتمسكه بخالص الإيمان، واستعذابه الموت في سبيل الواجب، واستملائه الشهادة في إعلاء كلمة الله، فعلى هذا لا نسخ بالمعنى المراد من النسخ.

ومن قال إن الثانية عامة في جميع الأحوال، قال بنسخ الأولى بالثانية، وهو بعيد جدا، وقد اتضح لك بعده.

الموضع الثاني: ما يقرب من هاتين الآيتين قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) وقوله بآخر هذه السورة الآتية:

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) فالأولى صريحة الطلب بقيام جزء من الليل قريب من نصفه، والثانية: تدل على أن الرسول كان قائما في هذا التكليف هو وطائفة من الصحابة، إلا أن فيها سببا يقتضي التخفيف وهو علمه جل علمه، بأن يكون في الأصناف الثلاثة المذكورة في الآية الثانية (مرض أو سفر أو جهاد) فكان التكليف فيها مقصورا على ما تيسر من القرآن المنبئة عن فعل ما تيسر من القيام بقراءة جزء يسير من القرآن، دون صلاة أو في صلاة ما، من النفل لقوله بآخر الآية الثانية (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فإذا كان كذلك لم يكن نسخا وحكمه باق بالنسبة للرسول وللآخرين المعذورين، وهذا رأي ابن عباس، وقد اخترته لموافقته للواقع، ومن قال إن الأولى عامة والتخفيف عام أراد النسخ وهو بعيد أيضا.

الموضع الثالث: قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) الآية ١٢ من سورة المجادلة في ج ٣، وقوله بعدها: (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) فالأولى تحتم تقديم الصدقة بين يدي النجوى،

<<  <  ج: ص:  >  >>