لأن الاستواء بمعناه المعروف محال على الله تعالى وهذه من آيات الصفات التي مر ذكرها في الآية ٣٠ من سورة ق المارة وفيها ما ترشد إليه من المواضع الأخرى الباحثة عن هذا، وخصّ العرش بالذكر مع أنه مستول على المخلوقات كافة لأنه أعظمها وأعلاها ولا يعرفه البشر إلا بالاسم وهو بما وصفه الله تعالى به نفسه فتفسيره تلاوته كما مر تفصيله وللبحث فيه صلة في الآية ٤ من سورة طه الآتية. هذا وان المنقول عن جعفر الصادق والحسن وأبي حنيفة ومالك وغيرهم من أعلام الأئمة أن الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والجحود له كفر والسؤال عنه بدعة، وقد ألمعنا إلى شيء من هذا أول سورة القمر المارة بأنه فلك الافلاك والفلك الأطلس وانه الجسم المحيط بسائر الأجسام ويكنى به عن العزة والسلطان والملك وقيل في المعنى:
إذا ما بنوا مروان ثلث عروشهم ... وأودت كما أودت إياد وحمير
وقول الآخر:
أن يقتلوك فقد ثلث عروشهم ... بعيينة بن الحارث بن شهاب
قال تعالى:«يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ» يلبسه ظلمة حتى يذهب بنوره وكذلك يغشي النهار الليل فيغطيه بنوره حتى يمحق ظلامه ولم يؤت بالجملة الثانية لدلالة الأولى عليها كما مر في الآية ١٧ من سورة ق المارة «يَطْلُبُهُ حَثِيثاً» طلبا سريعا إذ نعقب أحدهما الآخر فيخلفه دون فاصلة ما وقيل فيه:
«وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ» جل علاه وتعريفه من طلوعهن وغروبهن وسيرهن ورجوعهن وسرعة دورانهن بانتظام بديع يتحركن بحركة الفا الأعظم وهي أشد الحركات سرعة فإن الإنسان إذا رفع رجله وضعها بشدة عدوه تحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف ميل حسبما يقوله الفلكيون، ويمكن أن يكون