وليس هذا مما يعول عليه، والأحرى عدم صحته لأن العذاب نزل دفعة واحدة فمتى تمكنت من إنشاء هذه الأبيات، وعلى القول بأنها كانت مع المسلمين، فإن أباها لم يهلك بالظّلة لأن أصحاب الظلة أهل الأيكة الذي ذكرهم في الآية ١٨٩ من سورة الشعراء وأبوها هلك بالصيحة مع قومه أهل مدين، وهذه الزيادة أسقطت اعتبار صحة الأبيات فيها على فرض أنها مسلمة لم تهلك، وهكذا الأخباريون أحيانا يهرفون بما لا يعرفون، ولذلك لا يوقن بنقلهم قال تعالى «وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ» تشير هذه الجملة بالإجمال إلى سائر الأمم وأحوالها مع أنبيائها وفيها تخويف لقريش وتحذير من أن تكون عاقبتهم الإهلاك إن لم يؤمنوا كسائر الأمم الكافرة، وفيها حذف وإضمار أي فكذبوه «إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ» الفقر ودواعيه «وَالضَّرَّاءِ» المرض ولوازمه «لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ٩٤» إلى ربهم فيرجعون عن كفرهم فيؤمنوا فيقبلهم ويعفو عنهم، وفي هذه الجملة زجر لكافة الكفرة بأن يقلعوا عما هم عليه وإلا فمصيرهم التدمير. وتعريف لحضرة الرسول بأحوال الأنبياء مع أممهم وسنة الله فيهم تسلية له ليهون عليه ما يلاقيه من قومه من الأذى والتكذيب «ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ» أي بدل البلاء والمحنة والشدة التي كانوا عليها بالسعة والصحة والرخاء مما يستدعي الإيمان بنا والانقياد إلى طاعتنا شكرا لنعمنا عليهم بدفع السيء عنهم وجلب الحسن لهم «حَتَّى عَفَوْا» كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم، وعفى تأتي بمعنى زاد قال تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) الآية ٢٢٩ من البقرة في ج ٣ وبمعنى كثر ونمى كما هاهنا، أما ما جاء في الحديث أعفوا اللحى واحفوا الشارب، بمعنى اتركوا اللحى لا تحلقوها وليس المراد لا تقصوا منها شيئا إذ يجوز أخذ ما زاد منها على القبضة والمراد بإحفاء الشارب الأخذ منه أيضا بحيث تظهر حواف الشفة، وقد غلط من فسّره بالحلق، لأن الرسول لم يفعله ولأنه مثلة والشريعة جميلة مجملة لا تأمر بما هو مثلة، ولهذا البحث صلة في الآية ١٨٧ من هذه السورة. أما ما فسره أبو مسلم بأن المراد من عفوا اعرضوا عن الشكر، فليس بيانا للمعنى اللغوي بل أخذا من معنى الآية وليس بشيء