«وَقالُوا» لما غفلوا عن استدراجنا إياهم ولم يعلموا كيفية إملائنا للظالم وأخذه على غرّة، واننا تارة نأخذ العاصين بالشدّة وطورا بالرخاء، وظنوا أن عادة الدهر هكذا مرة سيئا وأخرى حسنا، وأن الشدة لم تكن عقوبة، قال بعضهم لبعض اثبتوا على ما أنتم عليه كما ثبت آباؤكم من قبل إذ «قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ» مثلنا فصبروا ولم يغيروا دينهم بسبب ما أصابهم، ولما أظهروا ما انطوت عليه سرائرهم إثر إنعامنا عليهم ولم يصغوا لنصح رسلهم أوقعنا بهم ما هدّدوا به «فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ٦٥» بشيء من المخاوف لأنهم كانوا في مأمن من العذاب بزعمهم ولم يخطر مكروه ببالهم قال تعالى «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا» بالله ورسله وعملوا ما أمروا به وانتهوا عما نهوا عنه «وَاتَّقَوْا» الكفر والإفساد في الأرض «لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ» من رياح لينة وغيث نافع «وَالْأَرْضِ» من نبات وثمر ولصببنا عليهم الخيرات من كل جهة «وَلكِنْ كَذَّبُوا» آياتنا ورسلنا «فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ٩٦» من الأعمال الخبيثة وعاقبناهم بأنواع العذاب «أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى» كفار مكة وأضرابهم فيشمل كل أهل قرية كذبت الرسل وأنكرت ما جاءتهم به «أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا» عذابنا «بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ ٩٧» أي لا يأمنوا وقوع العذاب بهم على غرة وغفلة «أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ٩٨» حالة كونهم لاهين عما يراد بهم خائضين بالكفر معرضين عن الإيمان، وفي هاتين الآيتين تهديد شديد وزجر ووعيد لكل من هذا شأنهم «أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ» استدراجه إياهم بالنعم وأخذه لهم على بغتة ليلا أو نهارا، وأنهم متى ما أمنوا مكر الله هلكوا «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ٩٩» أنفسهم وأهليهم وأموالهم في الدنيا والسعادة الدائمة في الأخرى، لأن الله تعالى إذا أسدى نعمه على عبده وجب عليه شكرها فإذا لم يفعل كان كافرا لها جاحدا المنعم بها، وحينئذ عليه أن لا يظن أنها نعمة حقيقية لخيره بل نقمة محضة لشره، قالت ابنة الربيع بن هيثم: يا
أبت ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ قال يا بنتاه إن أباك يخاف البيات، أراد الآية المارة، رحمه الله