فظهر لك من هذا كله أنّ لن ليست للتأييد، قال تعالى «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ» أي ظهر له على الوجه اللائق بجنابه بعد أن جعله مدركا، لذلك قال الشيخ أبو منصور نقلا عن الأشعري، أنه تعالى خلق في الجبل حياة وعلما ورؤية حتى رأى ربه، فلما رآه جلت رؤيته «جَعَلَهُ دَكًّا» مفتوتا ساوى به الأرض بحيث لم يبق له أثر، والدّكّ والدق أخوان وكذلك الشك والشق، وهذا نص بكونه مرئيا ثابت لا مرية فيه، ونص بجهل منكر الرؤية كما مرت الإشارة إليه، ولا يستغرب هذا، لأنه داخل في قوله تعالى:(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الآية ٤٤ من سورة الإسراء الآتية، فظاهر هذه الآية يستلزم كون جميع الأشياء حية مدركة بحياة وإدراك لا يقين بها، وكل بنسبة عالمه، وإذا دققت النظر في مغزى اسمه القادر هان عليك ما لا يقبله عقلك أو تنصوره مخيّلنك، اللهم بصرنا وأرشدنا إلى ما به النجاة من الحيرة. هذا، والاحتجاج بجمادية الجبل لا قيمة له، لأن الله تعالى قال في الآية ٩ من سورة سباء في ج ٢ (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) فالذي أقدر الجبال على التسبيح مع داود عليه السلام أقدر هذا الجبل على الفهم والتعقل وخلق فيه رؤية متعلقة بذات الله تعالى، وكونه مخاطبا بهذا الخطاب مشروط بحلول الحياة له والعقل فيه فهكذا هنا، فلم يبق مجال للقول بإنكار الرؤية وجوازها بعد أن بان لك تبعتها بالدلائل العقلية والسمعية، وعلمت بأن ما جاء به منكر الرؤية مصدره التأويل والتفسير راجع تفسير الآية ١٠٢ من سورة الأنعام في ج ٢، قال ابن عباس: ظهر نور الربوبية للجبل فصار ترابا «وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً» صائحا مغشيا عليه ساقطا على الأرض من هيبة الربوبية وعظمتها التي لا تكيف «فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ» تعاليت وتنزهت عن المثالية والمشابهة لخلقك وعن أن يثبت أحد لمشاهدتك «تُبْتُ إِلَيْكَ» عن سؤال الرؤية في الدنيا ومن أن أسألك شيئا بغير إذنك «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ١٤٣» بأن البشر لا يطيق رؤيتك في الدنيا إلا من قربته منك وقويته بمعونتك وأيدته بتأييدك وخصصته بها دون سائر خلقك، وكان رمز إليه بأنه سيظهر نبي بعدك يرى ربه «قالَ يا مُوسى