والحاث عليه والمهيء أسبابه يعاقب كالفاعل في شريعته، وفي شريعتنا يعاقب لكن ليس كالفاعل، ولهذا دأب يتحنّن ويستعطف ربه بإحيائهم حتى أحياهم له جميعهم بمنه وفضله، ولما اطمأن بحياتهم وقد أخذ منه الخوف مأخذه قال في حال شدته وارتعاده «إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ» اختبارك وما افتتن أولئك الجهال إلا بمحنتك وابتلائك لعبادك وهذه الفتنة «تُضِلُّ بِها» عن طريقك السوي «مَنْ تَشاءُ» إضلاله فيضل وفاقا لما هو في علمك الأزلي «وَتَهْدِي بها مَنْ تَشاءُ» هدايته فيهتدي طبقا لما هو مكتوب في أزلك «أَنْتَ وَلِيُّنا» لا ولي لنا غيرك ولا مرجع لنا في كشف مصابنا إلاك «فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ١٥٥» فضلا منك، وغيرك قد لا يغفر إلا لغرض ولا يعفو إلا لعوض، وذلك بمحض اللطف منك، والناس لطلب السمعة والرياء ونشر الصيت أو لدفع ضر حاضر أو لأمل مستقبل، طلب عليه السلام المغفرة له لإقدامه على الحضرة المقدسة بقوله (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) ولقومه لجرأتهم على طلب الرؤية، وقد سمعوا ما وقع عليه من أجلها «وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً» بالحياة الطيبة فيها «وَفِي الْآخِرَةِ» حسنة أيضا وحذفت من الثانية لدلالة الأولى عليها وقد تقدم مثله في الآية ١٧ من سورة ق المارة وبعدها كثير، ومن هنا فما بعد أكثر أي المثوبة الحسنى وهي الجنة «إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ» تبنا توبة نصوحا من أن نسألك ما لا ترضى وما لا يجوز طلبه، مشتق من هاد إذا رجع وتاب قال:
إني امرؤ مما جنيت هائد ... ربي اغفر إني إليك عائد
ولهذا ومنذ ذلك اليوم سمو يهودا، وقيل كانوا يدعون بأسباطهم، وما قيل أن منهم من اسمه يهوذا كان ملكا وسموا باسمه، فهو بعد هذا لأنهم قبله كانوا عبيدا «قالَ» تعالى يا موسى قل لقومك هذا الحكم الذي فضيته عليهم بقبول التوبة هو «عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ» لا اعتراض لأحد عليّ فيما أفعل، ولا راد لحكمي فيما أحكم، وفيه إشارة إلى غلظ عقوبة عابدي العجل، لأنه القتل كما سيأتي في الآية المنوه بها آنفا من سورة البقرة. واعلم يا موسى كما أن عذابي شديد فإن عفوي ت (٢٨)