من الفعل والقول والعمل «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ» التكاليف الشاقة، كقطع عضو المذنب في غير السرقة، وعدم قبول التوبة إلّا بالقتل، وقطع الثوب المتنجس، وإحراق الغنائم، وتعيين القصاص في الخطأ، وعدم قبول الدية، وعدم قبول العفو، وعدم جواز الصلاة إلا في الكنائس، ومؤاخذة المتسبب كالفاعل، وتحريم العمل يوم السبت والأحد، وعدم التطهير بغير الماء، وحرمة أكل الصائم بعد النوم، ومنع الطيبات عنهم بما اكتسبوا من الذنوب، وغير ذلك «وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ» المتقدم ذكرها، المقيدين بها الموجودة في التوراة لأن الإنجيل لا أحكام فيه غير تحليل بعض ما حرم على اليهود لقوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) في الآية ٥٠ من آل عمران في ج ٣، ولهذا فإن النصارى تابعون في الأحكام إلى التوراة، قال عطاء: كانت بنو إسرائيل إذا قامت تصلي لبسوا المسوح وغلّوا أيديهم إلى أعناقهم تواضعا لله تعالى وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها على السارية ليحبس نفسه على العبادة وذلك قوله تعالى «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ» بهذا الرسول الموصوف بالأوصاف المذكورة وهو لا شك محمد صلّى الله عليه وسلم «وَعَزَّرُوهُ» عظموه ووقروه «وَنَصَرُوهُ» على أعدائه وعلى إقامة ما جاء به من الدين «وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ» وهو القرآن العظيم منور القلوب والأخلاق، وإنما قال معه لأنه أنزل مع النبوّة مع جبريل عليه السلام إليه صلّى الله عليه وسلم «أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ١٥١» الفائزون بكل خير، الناجون من كل شر، وهذه الرحمة الموصوفة يفوز بها كل مؤمن بالله متبع رسوله سواء كان من بني إسرائيل أو غيرهم ولا يمكن تخصيصها فيمن كانوا على زمن موسى إلى إرسال عيسى لأنه لا يجوز أن يتبعوا شرائع نبي لم يبعث بل يجوز أن يعتقدوا نبوته حسبما وصفه الله في التوراة، كما أنه من المعلوم أن الإنجيل لا وجود له حسا في ذلك الزمن، فيكون المراد منه أمة عيسى الذين سيجدون نعته صلّى الله عليه وسلم مكتوبا في الإنجيل الذي سينزله الله عليهم، إذ من المحال أن يجدوه قبل نزوله. وذكره قبل نزوله من قبيل ما نحن فيه من ذكر النبي صلّى الله عليه وسلم والقرآن الكريم قبل مجيئهما.