أما اللاحقون زمانه في هاتين الأمتين فلا تكتب لهم هذه الرحمة إلّا باتباعه بأن يؤمنوا به وينصروه ويعظموه ويتبعوا ما جاء به، وقد وصفه الله بأنه الرسول أي الواسطة بينه وبين خلفه لتبليغ أوامره ونواهيه وشرائعه، وبأنه النبي المخبر عن الله وهو من أعلى المراتب وأشرفها وصفا، وأنه الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وهذا من أسنى التعظيم وصفا لإتيانه بالقرآن العظيم بأفصح اللغات، ومن أكبر البراهين على رسالته لأنه لو كان يقرأ ويكتب لاتهم بأنه تعلمه من الغير وكتبه عنهم وقرأه عليهم، وهذه النسبة أحسن من النسبة لأم القرى أو إلى الأم بحيث لم يخرج عما ولدته عليه أمه لقوله صلّى الله عليه وسلم: نحن أمة أمّية لا نكتب ولا نحسب.
واعلم أن الأمّية كمال مادي يعود نفعه على المعاش وليست بكمال روحي، ولهذا فإنها بحق الرسول كمال لتنزهه عن الصنايع العملية التي هي من أسباب المعاش، أما بحقنا فنقص لاحتياجنا لذلك، ولهذا البحث صلة في الآية ٤٧ من سورة العنكبوت في ج ٢ فراجعها تجد تفصيله بصورة أوسع. روى البخاري عن عطاء بن يسار قال:
لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفات رسول الله في التوراة، فقال أجل إنه موصوف في التوراة ببعض صفته بالقرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخّاب (كثير الصياح) في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء (الكافرة لأن الاعوجاج ضدّ الاستقامة) بأن تقول لا إله إلا الله، ويفتح به أعينا عمياء، وآذانا صما وقلوبا غفلا، (لا يصل إليها شىء ينفعها، كأنها في غلاف عن سماع الحق) ومثله في رواية البخاري وغيره. وجاء من حديث أخرجه ابن مسعود وابن عساكر من طريق موسى بن يعقوب الربعي عن سهيل مولى خيثمة قال:
قرأت في الإنجيل نعت محمد صلّى الله عليه وسلم، أنه لا قصير ولا طويل، أبيض، ذو ضفيرتين، بين كتفيه خاتم، لا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحلب الشاة، ويلبس