خفيت لأن الشيء إذا ثقل خفي فأبدل اللفظ به، وعليه فإن في الآتية بمقام على، أي اشتد هو لها على من «فِي السَّماواتِ» من الملائكة «و» على من في «الْأَرْضِ» من الثقلين الإنس والجن وأهمهم شأنها وأخافهم هولها، وهنا حذف لفظ أهل وهو من بديع الكلام ولذلك قدرنا (من) لفظ قبل السموات والأرض، واعلموا أيها الناس إنها «لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً» فجأة على غرة وغفلة من الناس أجمع.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته (الناقة الوالدة حديثا) فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط (يطين ويصلح) حوضه فلا يسقى فيه، ولنقومن الساعة وقد رفع أكلته (بضم الهمزة اللقمة) إلى فيه فلا يطعمها. ومن هنا قال بعضهم إن الساعة تؤلف ولا تؤلفان لأن حروف بغتة بحساب الجمل ألف وثمانمائة واثنان والصحيح انها وأربعمائة واثنان، لأن التاء مكررة فيها والمكرر لا يحسب عادة ولكن تضاف حروف الكلمة لها فتكون ١٤٠٦، ونحوها قوله تعالى (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا) الآية ٧٦ من الإسراء الآتية، فإن حروفها عدا المكرر ١٣٩٩ وحروفها ١١ فتكون ١٤١٠ تدبر. وأعلم أن هذا لطريق الاستنباط لا غير، وفي الحقيقة لا يعلم مداها إلا هو «يَسْئَلُونَكَ» يا سيد الرسل «كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها» بليغ في علمها شديد السؤال عنها، أي. يسألونك عنها كأنك حفي بها ففيه حذف والإحفاء هو الاستقصاء بالشيء ومنه حديث احفوا الشارب المار ذكره في الآية ٩٥ أي استقصوا في قصه حتى يكون كالحاجب بأن تكون له حواف، أي تبدو منه حواف شفته. وقد أخطأ صنعا من زين شاربه استدلالا بهذا الحديث لزعمه أن معنى الإحفاء هو ذاك، مع أنه مع بقاء اللحية مثلة، وحاشا رسول الله أن يأمر بها، ألم يعلم هذا المتحفف أن رسول الله لم يزّين شاربه بالموسى ولا بالمقصّ بل كان يأخذ منه مازاد على الشفة، وأنه لا يأمر بما لا يفعل، وأن الاقتداء به هدى والمخالفة له ضلال.
قرأ ابن مسعود (حفيّ بها) أي كأنك عالم بها مراعاة لمعنى الباء المؤدية لمعنى ت (٣٠)