للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن في الآية المارة، وهي قراءة إن صحت عنه فهي شاذة لا يجوز أن تقرأ لما فيها من إبدال حرف بغيره متباينين في المعنى، وقيل إن معنى حفى عن الشيء إذا بحث عن تعرف حاله، واستقصاه إذا اعتنى به، وعليه قول الأعشى:

فإن تسألوا عني فيا رب سائل ... حفي عن الأعشى به حيث أصعدا

والأول أولى، راجع الآية ٩٥ المارة في بحث الإحفاء وعلى كل «إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ» كرر الجواب جل شأنه لتكرار السؤال تأكيدا للحكم وتقديرا له واشعارا بعلّته على الطريقة البرهانية بإيراد اسم الذات المنبئ عن استتباعها بصفات الكمال التي من جملتها العلم وتمهيدا للتعريض بجهلهم، فالسؤال الأول عن بيان وقت قيام الساعة، والثاني عن بيان أحوالها الشافة، ولهذا قال جل شأنه «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ١٨٦» معنى اختصاص علم الله بها، فبعضهم ينكرها رأسا ولا يسأل عنها إلا تلاعبا، وبعضهم يعلم أنها واقعة، ولهذا قال أكثرهم:

ويزعم أن محمدا واقف على وقت وقوعها فيسأل جهلا، وبعضهم يزعم أن العلم بها من مقتضيات الرسالة فيتخذ السؤال ذريعة إلى القدح فيها بأن يقول كيف يدعي الرسالة ويخوفنا القيامة ولا يعرف متى تقوم، وبعضهم واقف على جلية الحال ويسأل امتحانا فهو ملحق بالجاهلين لعدم علمه بعمله وعمله بعلمه. هذا، ولما سأل أهل مكة محمدا صلّى الله عليه وسلم ألا يخبرك ربك بالأسعار لنتيقن ونتحقق الربح، وبالجدب والخصب لنأمن على أنفسنا وحيواناتنا من الجوع والعطش، أنزل الله «قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا» لأني بشر مثلكم فلا أقدر على دفع الضر وجلب الخير «إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ» لي من ذلك أن أملكه بتمليكه إياي، وهذا غاية في إظهار العبودية ونهاية في التبري عن خصائص الإلهية ومبالغة في إظهار العجز، وبما أن ذلك من العلم بالغيب أتبع هذا التبرّي بقوله «وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ» كما تظنون «لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ» الذي يمكن التقصي عنه بالتوقي من موجباته ولم أكن مغلوبا لكم في بعض الأحوال، وهذا قبل أن يطلعه الله على بعض مغيباته ولما أطلعه أخبره، قال تعالى: (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>