الآيتان ٢٦ و ٢٧ من سورة الجن الآتية، ثم أكد نفي ذلك بقوله «إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ» للكافرين أمثالكم من أن يلحقهم غضب الله إن لم يرجعوا عن كفرهم «وَبَشِيرٌ» بالثواب العظيم من الله «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ١٨٧» بي ويصدقون رسالتي، ثم ذكرهم بأصل خلقهم بقوله عز قوله «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ» هي نفس آدم عليه السلام «وَجَعَلَ مِنْها» من نفسها زوجها» حواء لأنها خلقت من نفس آدم، لذلك قال منها أي من جنسها، وقد جاء في الخبر أن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم اليسرى، ونظير هذه الآية من حيث المعنى الآية الأولى من سورة النساء في ج ٣ والآية ٩٧ من سورة الأنعام في ج ٢، أما كيفية خلقها فعلى ما هو عند الله تعالى مما هو مجهول عندنا، والله لا يعجزه شيء وقال تعالى في الآية ٧٢ من سورة النحل في ج ٢ (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) وعليه ينبغي أن تكون من هنا ابتدائية، ويكون المعنى من جنسكم أيضا، ويحتمل أن تكون تبعيضية، فيصير المعنى من جسدكم، فالمعنى الأول ينطبق على آدم وسائر البشر، وعلى الأخير لا ينطبق إلا على آدم، وسنأتي على تفصيل كل من هذه الآيات في محله إن شاء الله «لِيَسْكُنَ إِلَيْها» يأوي ويأنس بها واللام للعلة الغائبة، أي يطمئن إليها.
مطلب أدب التعبير وحمل حواء الأول:
وقد ذكّر الضمير في ليسكن ولم يؤنثه باعتبار النفس كما هو الظاهر لأن المراد منها آدم، ولو أنث الضمير على الظاهر لتوهم نسبة السكون للأنثى وهو خلاف المقصود من قوله «فَلَمَّا تَغَشَّاها» والغشي منسوب للذكر قولا واحدا وهو أحسن كناية عن الجماع وأكثر أدبا فيه، لأن الغشيان إتيان الرجل المرأة، وفي هذا تنبيه لحفظ اللسان من الكلام البذيء ولو كان لا بأس به، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم: تأدبوا بآداب الله كي ينزه الإنسان دائما لسانه عن ذكر ما فيه فحش ولو حلالا، وهذا من جملة آداب القرآن، ويقال له أدب التعبير في علم البلاغة «حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً» بادىء بدء لأنه عبارة عن نطفة فلا يحس بها ثم يتدرج إلى علقة فمضغة وهكذا إلى