للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كماله، ولهذا قال تعالى «فَمَرَّتْ بِهِ» أي بحملها لخفته لأن كبره في الرحم تدريجيا والثقل التدريجي لا يحس به غالبا، وقرأ أبو العالية مرت بالتخفيف مثل ظلت، في ظللت أو من المرية أي شكت في حملها، لأنه شيء لم يعهد عندهما قبل وقرأ ابن الجحدري فمارت من مار يمور إذا جاء وذهب يريد به الحمل لأنه يتقلب بالمشيمة، وكل هذه القراءات جائزة إذ لا زيادة فيها ولا نقص والتصحيف لا بأس به.

أما ما نقل عن ابن عباس أنه قرأ استمرت ففيها زيادة حرف وتبديل حرف فلا يجوز قراءتها «فَلَمَّا أَثْقَلَتْ» بكمال الحمل وارتفاع البطن وصارت تتألم لضرب الولادة «دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما» تضرعا وإخباتا لأنهما رأيا شيئا عجيبا لم يصرفا مصيره وخافا عاقبة الأمر واهتما بحال خروج الولد، فتوجها إلى مالك أمرهما وطلبا منه حسن العاقبة فقالا «لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً» بشرا سويا مثلنا سالما من النقص والزيادة «لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ١٨٨» لنعمائك دائبين عليه، وذلك لأنهما لم يريا أحدا من جنسهما ولم يكن إذ ذاك غير الجن والحيوان والوحش والطير، فخافا أن يكون من جنس أحدهما فرغبا إلى ربهما أن يكون على شكلهما ولونهما «فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً» كما أرادا «جعلا» أي نسلهما وأولاده على حذف مضاف مثل قولك سال الوادي وتريد ماءه، ومثل قوله تعالى: (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) يريد أهلها، وحذف المضاف متعارف عند العرب واتخذا «له» للإله الواحد «شُرَكاءَ» من الملائكة والبشر والحيوان والجماد وغيرها من مخلوقاته وأشركوها بعبادته «فِيما آتاهُما» أي أولادهما وأنفسهما من النسل إذ أضافوا ذلك إليهما، وإنما ثني الضمير باعتبار أن الذي أتاهما ذكر وأنثى، وعبر بما بدل من لأن هذين الصنفين عند ولادتهما ملحقان بما لا يعقل وإنما أسند الجعل للنسل كله مع أن البعض لم يجعل لنلبسه بمحض الإيمان لأنهم الأكثر على حد قولهم (بنو تميم قتلوا فلانا) والقاتل واحد، وقوله تعالى: (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ) الآية ٦٧ من سورة مريم الآتية وليس كل إنسان يقول ذلك «فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ١٨٩» معه من لا يستحق العبادة، وجمع الضمير على عوده للنسل الذي أشرك، وفيه تغليب

<<  <  ج: ص:  >  >>