المذكر على المؤنث إيذان بعظم الشرك ولأن من جوّز الشريك الواحد جوز الشركاء، وقد أضاف جل شأنه في هذه الآية فعل الآباء إلى الأبناء متهكما فيما آل إليه أمر ذريتهم، كما أضاف فعل الأبناء إلى الآباء في قوله اتخذتم العجل.
وقتلتم نفسا. الآيات ٥١ و ٩٢ و ٧٢ من سورة البقرة في ج ٣ إذ خاطب فيها اليهود الذين على زمن محمد صلّى الله عليه وسلم بما فعل آباؤهم زمن موسى عليه السلام وهذا أحسن الأقوال في تفسير هذه الآية. ولا يقال إن هذا من قبيل الرأي وتفسير على خلاف الظاهر، لما ذكرنا في المقدمة من لزوم اتباع الظاهر حسب المستطاع، إذ لا استطاعة هنا ولا مخلص إلا بالأخذ على خلاف الظاهر، لأنه أليق بالمقام وأوفق للمعنى، ولأنه إذا تعذرت الحقيقة وجب الجنوح إلى المجاز، ولأن إعمال الكلام ولو تأويلا عند جواز المعنى أولى من إهماله. وبلي هذا القول قول من قال إن الضمير في خلقكم يعود إلى قريش آل قصي، إذ لا يجوز عوده لآدم عليه السلام، لأن إسناد الشرك إليه محال، كيف وهو نبي معصوم! واستدل بضمير الجمع في (يُشْرِكُونَ) لأنهم خلقوا من جنس قصي وزوجته القرشية بنت سيد مكة من خزاعة، وقد سميا أولادهما عبد مناف وعبد العزى وعبد شمس وعبد الدار، بدلا من عبد الله وعبد الرحمن مثلا، فيكون المراد بهذه الآية هما وأعقابهما الذين اقتدوا فيهما بالشرك، وأيد قوله هذا بقول أم معبد:
فيا لقصي ما روى الله عنكم ... به من فخار لا يبارى وسؤدد
حتى قال جماعة من العلماء إنه تفسير حسن لا إشكال فيه. نعم هو وجيه إلا أنه يرد عليه عدم علمنا بقصي وزوجته بأنهما وعدا الله عند الحمل بما ذكر في الآية، لأنهما كانا كافرين وكانت قريش متفرقة، ثم جمعها قصي ولذلك سمي مجمعا، فلم يخلق المذكورون من نفسه فضلا عن أنه لا محل لاستغرابهما الحمل مثل آدم وزوجته.
أما ما قاله بعض المفسرين من أن الإشراك بالتسمية فقط وهو لا يعد شركا وجوزوا إطلاقه على آدم عليه السلام وزوجته، واستدلّوا بما قاله عكرمة ما أشرك آدم ولا حواء ولكن كان لا يعيش لهما ولد، فأتاهما الشيطان وقال لهما، إن سركما أن