وهذا مثل ضربه الله تعالى في عدم الإفادة منهم في الدعاء وعدمه، أي أن دعاءكم لهم في عدم الإفادة وسكوتكم عنهم سيان، فلا يتغير حالكم في الحالتين كما لا يتغير حالهم في الحالين، لأنها جماد والجماد يستوي فيه الحالان، وقال بعض المفسرين إن ضمير تدعوهم يعود لحضرة الرسول على سبيل التعظيم، أو له وللمؤمنين وضمير المفعولين في (تدعوهم) و (أدعوتموهم) للمشركين والمراد بالهدى دين الحق، أي إن تدعو المشركين إلى الإسلام لا يتبعوكم. إلا أن سياق النظم الكريم وسياقه لا يساعد هذا البتة كما ترى، لأنه لو كان كذلك لقال عليهم مكان عليكم كما في قوله تعالى:(سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) الآية ١٠ من سورة يس الآتية، لأن استواء الدعاء وعدمه إنما هو بالنسبة للمشركين لا بالنسبة للداعين فإنهم فائزون بفضل الدعوة، وإن من نقل هذا القول عن الحسن لم يتثبت بنقله ولم يترو بصحته. أما من نقله عن الطبرسي فإن صح فليس بشيء لأنه رحمه الله لم يحقق ما ينقله حتى قيل عنه إنه (حاطب ليل) ومما يقرر ما جرينا عليه ويؤكده قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» وتسمونهم آلهة ليسوا بآلهة إنما هم «عِبادٌ أَمْثالُكُمْ» مسخّرون مذلّلون لله ومن جملة مملوكيه قرأ ابن سعيد بتخفيف (إن) ونصب عباد على حد قول القائل:
إن هو مستوليا على أحد ... إلا على أضعف المجانين
وقرأ آخرون بنصب أمثالكم أيضا على أنّ أن المخففة تنصب الجزأين المبتدأ والخبر على حد قوله:
إذا اسودّ جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا إن حراسنا أسدا
والقراءة الأولى أولى وهي التي عليها المصاحف المختارة على غيرها إذ ذكرنا غير مرة إن القراءة إذا لم تكن تبدل أو تغير فتجوز وإلا فلا لأن التخفيف والتشديد والمد والإمالة لا تغير الحروف ولا الكلمات ولا المعنى وكل ما كان كذلك فلا بأس به «فَادْعُوهُمْ» أيها المشركون «فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ» ما تدعونهم به «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ١٩٤» في زعمكم أنهم ينفعونكم، وهذا تحقيق لمضمون ما قبله وتبكيت