سياق الآية بالنسبة لما قبلها، ونقل عن الحسن أن الخطاب في (وإن تدعوهم) إلى المؤمنين وضمير المفعول للمشركين، على أن التعليل قد تم عند قوله تعالى (يَنْصُرُونَ) خاتمة الآية قبلها وعليه يكون المعنى: وإن تدعوا أيها المؤمنون المشركين إلى الإسلام لا يلتفتوا إليكم ولا يقبلوا منكم. وعليه يحسن تفسير السماع بالقول، وجعل وتراهم خطابا لسيد المخاطبين بطريق التجريد، ويكون في الكلام تنبيه على أن ما فيه عليه الصلاة والسلام من شواهد النبوة ودلائل الرسالة من الجلاء بحيث لا يكاد يخفى على أحد، وهو وجيه أيضا.
مطلب: في مكارم الأخلاق التي يأمر بها الله رسوله:
قال تعالى «خُذِ الْعَفْوَ» الميسور من أخلاق الناس مما يسهل عليهم ولا تستقص عليهم فينفروا منك، وهذا كقوله صلّى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا، أي لا تكلفهم بما يشق عليهم واقبل منهم ما تيسر وعليه قوله:
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب
يريد سكوتها عند ثورة غضبه، وفي رواية: في صورتي أي لا تقابليني بما أتكلم عليك.
ويجوز أن يكون المراد اعف عن المذنبين من أصحابك، وعاملهم بالعفو، وهو أولى لموافقة الظاهر وما يوافق الظاهر أظهر. روى البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: ما نزلت هذه الآية إلا في أخلاق الناس، ومعنى العفو لغة الفاضل الزائد على قدر الحاجة من المال، ولذلك قال ابن عباس: معناها هنا خذ ما عفا من أموال الناس مما آتوك به لا تكلفهم غيره. وهذا قبل نزول آية الصدقات عدد ٢٦٦ من سورة البقرة في ج ٣، وأخرج أبو الشيخ عن الجوهري أنه قال: لما نزلت هذه الآية كان الرجل يمسك من ماله ما يكفيه ويتصدق بالفاضل، إلى أن نزلت آية الزكاة «وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» المستحسن من الأفعال والأقوال فإنه أقرب إلى قول الناس، لأن الأمر بالجميل من الأقوال والأفعال وكل ما يرتضيه العقل والشرع من الخصال إذا كان بالمعروف يتلقى بالقبول، وجاء في باب التأويل: وأمر بكل ما يأمرك الله به وعرفته من الوحي وهو كما ترى «وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ١٩٩»