أي الإله الواحد الذي آمنت به «آلِهَةً» أصناما مثلكم لا تضر ولا تنفع، كلا لا أفعل، وإنما أتخذ الله الإله الواحد الفعال لما يريد الذي لا رب غيره إلها لي وهو إله الخلق أجمع، واعلموا يا قومي إني «إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ» إله هؤلاء الرسل وإلهي وإله العالمين وخالق الكون وما فيه «بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ» أي شفاعة الأوثان التي اتخذتموها آلهة وترجون شفاعتها فلا تنفعني إذا حل بي الضر من الإله الواحد القادر «شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ» ٢٣ من مكاره الدنيا ولا من عذاب الآخرة لأنها أحجار وأخشاب لا تعصم نفسها من التعدي عليها فكيف تنفع غيرها؟ وإذا كان كذلك فكيف أتخذها آلهة «إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ٢٤ لا يقبل التأويل لشدة وضوحه ولا يخفى على أحد، ثم أقبل على الرسل وخاطبهم علنا بقوله «إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ» ٢٥ واشهدوا على إيماني فلا أبالي بما يصيبني منهم. أخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه قال لما قال صاحب يس (حبيب النجار المذكور إذ شهر بذلك) : يا قوم اتبعوا المرسلين، خنقوه ليموت، فالتفت إلى الأنبياء فقال: آمنت بربكم فاسمعون، فأسرع إليه قومه فقتلوه رجما بالحجارة. قال السدي رموه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي، حتى مات. وجاء في الحديث انه نصح قومه حيا وميتا، رحمه الله فلما مات شهيدا ولقي ربه «قِيلَ» له من قبل ملائكة الرحمة «ادْخُلِ الْجَنَّةَ» فأدخلت روحه فيها رحمه الله ودفن جثمانه في سوق انطاكية بالمحل الذي قتل فيه، وقبره معروف حتى الآن يزوره الغادي والبادي، ولما أحست روحه الطاهرة بنعيم الجنة ورأت ما فيها من السرور والروح تتصل بجسدها أحيانا «قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ» ٢٦ ما صرت إليه من النعيم «بِما غَفَرَ لِي رَبِّي» ما اقترفته من الذنوب وستر لي ما جنيته من العيوب وما أكرمني به في الجنة الدائمة، فلو علموا ذلك لآمنوا بالرسل، والله يعلم أنهم لم يؤمنوا، إذ لم تكتب لهم السعادة. وما هنا، مصدرية، أي بالغفران الذي غفره لي وعظمته وما ينتج عنه من خير وأجاز بعض القراء كونها استفهامية، أي بأي شيء غفر لي وهو هجره دينهم والصبر على أذاهم.