وغيرهم «لِلَّذِينَ آمَنُوا» القائلين لهم أنفقوا «أَنُطْعِمُ» رزقنا الذي حصلنا عليه بكدنا «مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ» أي كيف نطعمه وقد أفقره الله؟ فليطعمه الذي أفقره وهو استفهام إنكار، أي لا نفعل ذلك أبدا، والكلام مسوق لذمّهم على البخل وعدم شفقتهم على ذويهم وأبناء جنسهم من فضل ما منّ الله به عليهم إثر ذمهم بإنكار البعث والنبوة والمعاد، ثم لم يكتفوا بما قالوا بل أتبعوه بقولهم «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ٤٧ لأنكم تأمروننا بإعطاء رزقنا لمن لم يرد الله إعطاءه، وهذا أولى من قول من قال إن هذه الجملة من قول الله أي قال تعالى لهم إن أنتم إلخ، وأولى من قول من قال إن هذه الجملة من قول المؤمنين لهم لمخالفتها سياق الآية وسياق الحكاية، قالوا كان العاص بن وائل السهمي وبعض كفار قريش المتزندقين إذا سألهم المساكين من فضول أموالهم، ومما زعموا أنهم جعلوه لله من حروثهم وأنعامهم كما سيأتي بيانه في الآية ١٣٦ من سورة الأنعام في ج ٢ فما بعدها، قالوا له اذهب إلى ربك فهو أولى بك منا، أيمنعك هو ونعطيك نحن؟ كلا، لا نفعل هذا، فلو أراد رزقك لرزقك كما رزقنا، فنزلت فيهم هذه الآية. وقد تمسك بقولهم هذا البخلاء أسوة بسادتهم أولئك إذ يقولون لا نعطي من حرمه الله، وهو قول باطل يلجأ إليه كل عاطل من فعل الخير إخوان المنزل فيهم هذه الآية، لأن الله تعالى أغنى أناسا وأفقر آخرين ابتلاء واختبارا لا بخلا ولا استحقاقا، وأمر الغني بالإنفاق ليمتحنه أيقدر شكر نعمته عليه أم لا، وقد هدد الغني في الحديث القدسي:(الأغنياء وكلائي والفقراء عيالي فإن بخل وكلائي على عيالي أذقتهم وبالي ولا أبالي.) وامتحن الفقير بهدر ماء وجهه ليختبره أيصبر أم لا، ألا فليتعظ الأغنياء ويتعظوا قبل أن يحل بهم ما لا كاشف له إلا الله. وما قيل إن هذه الآية نزلت في اليهود لا صحة له لأنها مكية بالاتفاق كسائر هذه السورة إلا الآية المستثناة ٤٥ المارة على قول بأنها مدنية والأرجح عندي أنها مكية أيضا كما مر لك في تفسيرها الثاني والله أعلم، قال تعالى «وَيَقُولُونَ» هؤلاء الكفرة يا محمد «مَتى هذَا الْوَعْدُ» الذي توعدنا به أنت وأصحابك من نزول العذاب