مجاريهما متجاورين متلاحقين بقدرته وأهل المرج الخلط يقال مرج الأمر إذا اختلط والمرج المكان الواسع الجامع للكلأ والماء، وفيه أنواع كثيرة من النبات، ويسمى المرعى مرجا لاختلاط النبات فيه «هذا عَذْبٌ» حلو ماؤه «فُراتٌ» قاطع للعطش لشدة عذوبته المائلة للحلاوة «وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ» ضد الأول على طرفي نقيض، والأجاج الشديد الملوحة المائل إلى المرارة، وفي الإشارة إشارة إلى بعدها عن بعضها بدليل قوله جل قوله «وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً» حاجزا عظيما يمنعهما من التمازج. وجاء بالفارسية كلمة (برزة) بمعنى برزخ وجاء في سورة الرحمن بينهما برزخ لا يبغيان الآية ٢٠ في ج ٣ فالتنوين في هاتين الآيتين يدل على عظم هذا البرزخ الفاصل بينهما وهو كذلك حيث يوجد بينهما مسافات كثيرة قبل التلاقي «وَحِجْراً مَحْجُوراً» ٥٣ تنافر مفرطا كأن أحدهما يتعوذ من الآخر، وقد ذكرنا في تفسير الآية، المارة أنهم يستعملون هاتين الكلمتين مقام الاستعاذة عند طروء ملمة أو هجوم عدو أو وقوع نازلة أو حدوث مهم، والمراد من إيجاد هذا البرزخ العظيم بين العذب والملح لزوم كل منهما صفته التي هو عليها، لئلا ينقلب العذب ملحا ولا الملح عذبا، وهو في مكانه لم يختلط بغيره مهما بقي، وذلك من كمال قدرة الله لا بطبيعة الأرض ولا بطبيعة الماء، وإلا لكان الكل عذبا أو ملحا. وما قيل إنهما بحران متلاصقان حلو ومالح لم يشاهدهما أحد، أو أن أحدهما في الأرض والآخر في السماء وأنهما يلتقيان في كل عام كما ذكره بعض المفسرين قيل لا يرتضي ولا ينبغي أن يقال، لأن الله كلم الناس على لسان نبيه بما يفهمون ويعقلون وهو لا يعجزه جعلها كذلك، لأنه القادر على أكثر من ذلك، إلا أنه لا حاجة لذكر غير المعقول والجنوح إليه عند وجود المعقول المشاهد، على أنه لا ينكر وجود عيون ماء حلو تنبع في وسط البحر وعلى شواطئه تشرب منها الناس وتذهب إليها بالزوارق كما في البحرين، حيث يوجد نبع ماء فيه يتدفق بقوة وينساب مع ماء البحر على سطحه ويمتاز عنه بلونه ويصير كالخط المستطيل، إلى أن يندمج فيه. ولهذا البحث صلة في تفسير الآية ١٤ من سورة فاطر الآتية