ومن دلائل توحيده قوله «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ» المني وأطلقه بعض المفسرين على الماء الذي خمّر به طينة آدم عليه السلام ولكنه لا ينطبق على المعنى لأن آدم لم يخلق من الماء وحده بل من الماء والطّين تأمل «بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً» ينسب إليه كالذكور من نوعه «وَصِهْراً» يصاهر به الغير كالإناث، أي أنه جل شأنه قسم البشر المخلوق من النطفة للقسمين المذكورين قال تعالى «فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى» الآية قبل الأخيرة من سورة القيامة المارة «وَكانَ رَبُّكَ» سابقا ولاحقا «قَدِيراً» ٥٤ على ما أراده وجعله طبق مراده، فجعل من المني الواحد المعرفة بالماء وهو النطفة المختلطة من ماء الزوجين ذكرا وأنثى، وقد يكونا في بطن واحدة، وجعل النسب المذكور فيقال فلان بن فلان وفلانه بنت فلان، والصهر للأنثى فيقال فلان صهر فلان إذا تزوج ابنته وأخته، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية الأولى من سورة النساء في ج ٣، هذا وقد ذكر الله تعالى خمس آيات، من ألم تر إلى هنا مدعمات بالدلائل على عجائب قدرته وبديع صنع وحدانيته، ليتذكر بها من تذكر من الذين أرسل إليهم محمد إبان نزولها وبعده وإلى قيام الساعة، وكأنها مع الأسف لم تتل عليهم ولم يسمعوا بها ولم يلقوا لها بالا لقوله تعالى «وَيَعْبُدُونَ» أولئك الكفرة مع بيان هذه الآيات المعجزات والبيّنات أوثانا يخصونها بالعبادة «مِنْ دُونِ اللَّهِ» خالقهم وخالقها ومانحهم هذه النعم العظيمة «ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ» عبدوها أولا لأنها جماد لا تحس بعبادتهم لها، ويتركون عبادة النافع الضار الإله الواحد ويجحدون وجوده «وَكانَ الْكافِرُ المتوغل بكفره «عَلى رَبِّهِ» الذي يرى آثار نعمه عليه ويحس بها عند الحاجة قال تعالى (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) الآية ٦٧ من سورة الإسراء الآتية، وينسونه عند الفرج ويكون «ظَهِيراً» ٥٥ معينا لنفسه وللشيطان على ربه اللطيف به المعطوف عليه، وذلك أنه يتابع الشيطان بما يوسوس إليه على عبادة الصنم ويعاونه في إغوائه على معصية الله فيغفله وينساه حتى إذا
أدركته الشدة رجع إليه واعترف بربوبيته، فإذا زالت تلك الشدة عنه،