الأذكار المأثورة التي رتّبها على نفسه في الليل قضاه في النهار، وكذلك بالعكس روى الطيالسي وابن أبي حاتم أن عمر رضي الله عنه أطال صلاة الفجر، فقيل له صنعت شيئا لم تكن تصنعه؟ قال إنه بقي عليّ من وردي شيء فأحببت أن أتمه أو قال أقضيه. وتلا هذه الآية. ومن التذكر المأجور عليه أن يتفكر في كيفية تسخيرهما واختلافهما وانتظام سيرهما، ويستدل بذلك على عظمة مبدعهما ومدبرهما، ويستفاد من ظاهر الآية أن الأوراد التي قد اعتادها السادة الصوفية بارك الله فيهم لها أصل في النوع مقتبس من هذه الآية المؤيدة بفعل عمر رضي الله عنه، وفيهما دليل على تقننها وأن قضاء ما فات منها لازم على النفوس الطاهرة التي ترى ما التزمته على نفسها من الذكر واعتادته لازما عليها قضاؤه استنباطا من الأصول الفقهية مثل من شرع في نفل وأبطله وجب عليه قضاؤه، مع أنه نفل «أَوْ أَرادَ شُكُوراً» ٦٢ بأداء نوع من العبادة وردا خاصا له شكرا لنعم ربه وإفضاله عليه لانه لو استغرق زمنه كله في شكر ربه لم يؤد حقه ورحم الله الشيخ بشيرا الغزي إذ يقول في مقدمته منظومة الشمسية في علم المنطق:
لو أن كل الكائنات ألسنة ... تثني على علاه طول الأزمنه
لم تقدر الرحمن حق قدره ... ولم تؤد موجبات شكره
ويؤذن عطف إرادة الشكر على التذكر إرادة فعل النافلة بعد الفريضة وتلاوة الأذكار المأثورة بعدها والتفكر في بدايع صنع الله مما ينور القلب ويطلعه على علم ما لم يعلم. فاغتنم أيها العاقل واستكثر من الذكر المشروع ولا تنظر لأقوال المتطفلين على الدين الذين (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) الآية ٧ من سورة الروم في ج ٢ أجارنا الله من الغفلة وحمانا من العطلة، ووفقنا لما به الفلاح والنجاح هذا وقد قرأ زيد بن علي وطلحة وغيرهما (أَنْ يَذَّكَّرَ) بالتخفيف مضارع ذكر وهي قراءة جائزة وتؤيد ما ذكرناه، ومما يوثقه أيضا وصف الله تعالى عباده بقوله «وَعِبادُ الرَّحْمنِ» الذين دأبهم ذكره وشكره العارفون به «الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» بالسكينة والوقار متواضعين