لا يمرحون ولا يختالون ولا يتبخترون. راجع الآية ٣٦ من الإسراء الآتية، وقد أضافهم جل شأنه لنفسه للعلم بأنهم المخصوصون بإفضاله المنعم عليهم بصفة كماله، لأن العبودية فعل المأمورات وترك المنهيات، لا لرجاء الثواب والنجاة من العقاب الذين تقتضيهما معنى العبادة، بل لمجرد إحسان الله تعالى ومطلق أمره ونهيه، استحقاقا لذاته المقدسة «وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً» ٦٣ أي ومن صفاتهم أيضا يقولون قولا يدل على المتاركة والإغضاء عند ما يجابههم السفيه وقليل الأدب والساخر والمستهزئ بما لا ينبغي أن يقال لمثلهم، ولفظ الجاهل يدخل فيه ما ذكرنا إذ لم يرد فيه في هذه الآية من هو دون البلوغ ولا عديم العلم، وهذا الجواب الذي علمه الله لخيرة خلقه على نهاية من الاستحسان أدبا ومروءة، وأسلم للغرض، وأوفق للورع، ولا وجه لقول من قال أن المراد به السلام المعروف لأنه جاء في الآية ٩٢ من سورة النساء مع أن سورة النساء مدنية وهذه مكية ولم يؤمر فيها بعد بالسلام بل هو سلام متاركة وتوديع لا سلام تحية واستقبال مثله قول سيدنا إبراهيم لأبيه (سلام عليك) الآية ٤٨ من سورة مريم الآتية وفسره بعضهم «بسداد» أي أراد قولا من سداد القول ولينه، وهو داخل فيما ذكرته أي أنهم يحلمون ولو تعدى عليهم ولا يسفهون وإن تسوفه عليهم، ولا يجهلون وإن جهل عليهم، ولا يتمثلون بقول صاحب المعلقة عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فؤق جهل الجاهلينا
وذلك لأنهم تركوا نفوسهم وأقبلوا على ربهم فلم تبق عندهم أنفة الجاهلية، ولهذا نهي عن مخالطة الجهال بذلك المعنى لئلا يكون في عدادهم قال علي كرم الله وجهه: