عليها أحد «إِنَّهُ كانَ» ولم يزل «حَلِيماً» لا يعجل العقوبة على عباده علهم يرجعوا إليه رحمة بهم «غَفُوراً» ٤١ لما سبق منهم إذا تابوا وأتابوا، وتشير هذه الآية العظيمة إلى أن كفر هؤلاء يكاد تهد السموات وتغور الأرض منه، لعظمته عند الله لولا أن قدرته البالغة ممسكة لها قال تعالى (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) الآية ٨٢ من سورة مريم الآتية، أي أن ما هم عليه من الشرك والكفر يكاد يسبب ذلك لولا عظمة الله الحائلة دونه.
هذا، ولما جاهر مشركو العرب بقولهم لعن الله اليهود والنصارى كيف أتتهم رسل الله فكذبوهم وحلفوا لو جاءهم رسول لاتبعوه، فأنزل الله «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ» نبي يرشدهم إلى السداد «لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ» يعني اليهود أو النصارى أو الصابئة لانهم من أهل الكتاب أيضا ثم اختلفوا بعضهم مع بعض في التحليل والتحريم وقولهم هذا كناية عن شدة التمسك بما يدعوهم إليه ذلك النذير الذي تمنوه قال تعالى مكذبا لهم «فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ» وأي نذير كريم أمين خطير منهم معروف لديهم بالصدق، لأنهم خلقوا قبل مبعثه «ما زادَهُمْ» مجيئه إليهم وهديه لهم وجهده عليهم لإنقاذهم مما هم فيه من الشرك والكفر «إِلَّا نُفُوراً» ٤٢ عنه وتباعدا عن رشده، وإيذاء له فوق ذلك، لا لأنه لم يكن نبيا وصادقا في دعواه، بل كان نفورهم منه «اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ» طلبا للكبرياء فيها فتعاظموا عن قبول الإيمان به عنادا لمرسله وحسدا له على ما خصّه الله به من بينهم، ولامر آخر وهو «وَمَكْرَ السَّيِّئِ» أي عملهم القبيح الذي هو اجتماعهم على الكفر والإشراك بالله واتفاقهم على تكذيب رسوله وخداعهم له وتحين المكر فيه «وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ» فيونعهم فيه سوء عاقبته. وجاء في المثل من حفر لأخيه جبّا وقع فيه مكبا، فيا ترى هل أرادوا بمكرهم هذا أن جحودهم لما جاءهم به من عند ربه خيرا لأنفسهم؟ كلّا بل شر وأي شر لقوله تعالى «فَهَلْ يَنْظُرُونَ» هؤلاء المخالفون لرسولنا محمدا «إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ» وهي أن كل أمة كذبت