المسمى بالروح فكيف يتصور أنه عيسى ولم يخلق بعد؟ وما قيل إن ضمير تمثل يعود إلى ملك غير مذكور يأباه سياق النظم الكريم، فكان عليه السلام حينما تمثل لها «بَشَراً سَوِيًّا»
١٧ كامل الخلق لئلا تنفر منه ولتستأنس بكلامه، لأنه لو جاءها بصورته الحقيقة لما استطاعت النظر إليه لما أعطاه الله من بداعة الخلق والهيبة والصفة العجيبة- راجع تفسير الآية ٢١ من سورة التكوير المارة- وما قيل إنه تمثل لها بصورة البشر لتهيج شهوتها قيل خاطئ تتنزه عنه السيدة مريم ويكذبه قولها حين رأته أقبل عليها وهو «قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا»
١٨ تخاف الله فتباعد عني ولا تقربني، فهذا شاهد عدل على أنه لم يخطر ببالها شائبة ميل ما البتة، وقولها هذا غاية في كمال عفتها ونزاهتها عليها السلام، مع أنه إذ ذاك كان غير محذور اختلاط النساء بالرجال ومكالمتهم فلا مانع ولا شبهة فيه، ولم يحرم النظر على الأجنبية إلا زمن عيسى عليه السلام، كما جاء في الاصحاح ٥ من إنجيل متى، وسنبينه في تفسير الآية
٢٩ من سورة النور في ج ٣ إن شاء الله.
أما الحجاب فلا ذكر له قبل عهد المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ديانة وإن كان يستعمله أكابر الناس قبلا كما سنبينه في تفسير الآية ٥٨ من سورة الأحزاب في ج ٣ أيضا إن شاء الله بصورة كافية شافية. وما قيل إن (تقيا) اسم رجل شقي معروف عندهم في ذلك الزمن أو رجل صالح كيوسف النجار فغير صحيح، وهو من مخترعات القصاص وأخبار الأخباريين وأكاذيبهم، لأن الأول لا يجرؤ على الوصول لبنات الأنبياء والأعاظم كمريم عليها السلام، والثاني مشهور بالعفة يمنعه دينه من الوصول إليها وغيرها. فأجابها جبريل عليه السلام «قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ»
ليس ممن يتوقع منه الشرّ الذي توهمينه حتى تستجيري بربك مني لأني رسول الذي استجرت به واستعذت أمرني أن آتيك «لِأَهَبَ لَكِ»
بإذنه تعالى الذي أرسلني إليك، إذ أمرني أن أنفخ في جيبك ليكون هذا النفخ سببا في حصول الولد الذي سيكون «غُلاماً زَكِيًّا»
١٩ طاهرا نقيا فطنا. وأسند ضمير أهب لنفسه، لأن الله أرسله بذلك، وفعل الرسول ينسب إلى المرسل «قالَتْ» متعجبة مما سمعته «أَنَّى