الثلاث المهمة، أي أنه لم ينله الشيطان يوم ولادته، وإنه يحميه من فتاني القبر إذا مات، ومن الفزع الأكبر والعذاب حين ينشر من قبره، وهذه المواطن الثلاث أوحش ما يلاقيه الإنسان، يوم يولد يرى نفسه خارجا مكرها من مقره فيسقط باكيا، ويوم الموت يرى من الأشباح والآلام ما ترتعد له الفرائص وترتج لهوله القلوب، ويوم البعث يرى مشهدا لا يوصف ما فيه من الشدة والكرب، راجع تفسير الآية الأولى من سورة الحج في ج ٣، وهذه البشارة الواردة في القرآن العظيم خصّت به وبالسيد عيسى عليهما السلام، ولا أعظم منها بشارة «وَاذْكُرْ»
يا محمد لقومك وغيرهم قصة مريم بعد قصة يحيى العجيبتين «فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ»
بنت عمران التي قصتها أعجب من قصة ابن أختها يحيى «إِذِ انْتَبَذَتْ»
اعتزلت وتنحت، وأصل النبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به، أي أنها لم تبال بنفسها حيث انفردت وتباعدت «مِنْ أَهْلِها»
ومن الناس أجمع «مَكاناً شَرْقِيًّا»
١٦ من دار أهلها وقريتها لتغتسل وتتخلى للعبادة، وقيل قعدت في مشرفة لتغتسل من الحيض، ويؤيد هذا القيل معنى قوله تعالى «فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً»
ساترا لها لئلا يراها أحد حين اغتسالها على القول بأن ابتعادها لهذه الغاية، أو حائطا أو جبلا على القول بأن اعتزالها كان لمحض العبادة، ولكن لفظ الاتخاذ يؤيد الأول ويؤكده قوله تعالى «فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا»
جبريل عليه السلام، وإنما سمي روحا لأن الدين يوحى به، لأنه واسطة الوحي وتبليغه للرسل، والإضافة للتشريف، أو لأنه محبوب الله ومقربه وأمين وحيه، كما تقول لحبيبك أنت روحي لفرط محبتك له، وقرىء روحنا بفتح الراء، وإنما سمي به لانه سبب الروح للعبادة، ولأنه من جملة المقرّبين الموعودين بالروح في قوله تعالى:(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) الآية ٤٠ من سورة الواقعة الآتية، وقرىء روحنّا بتشديد النون اسم ملك، وليست بشيء، ولا وجه لمن قال إن المراد بروحنا عيسى عليه السلام محتجا بقوله تعالى (وَرُوحٌ مِنْهُ) الآية ١٧٠ من سورة النساء في ج ٣، لأنه لم يكن بعد فكيف يرسله، وينافيه قوله تعالى «فَتَمَثَّلَ لَها»