أوساطها «قالَ» لآدم وزوجته حواء بعد أن انتهى أمد مكثهما في الجنة وحان أمر إقامتهما في الدنيا على أثر ما وقع منهما «اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً» انحدروا الى الأرض لأن الهبوط معناه الانحدار من العلو الى السفل على طريق القهر كهبوط الحجر، وإذا استعمل في الإنسان فعلى طريق الاستخفاف به «بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» بالتحاسد في الدنيا والاختلاف بالدين وفي أمر المعاش وإنما جمع ضمير بعضكم مع أن الخطاب لآدم وحواء فقط لأن العداوة نشأت في ذريتهما لا فيهما، وما قيل أن الخطاب لهما ولإبليس ينافيه قوله تعالى «فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً» من كتاب ورسول وهذا الهدى الى ذريتهما لأن إبليس مقطوع بعدم هدايته وعدم إتيان الهدى اليه بكتاب او رسول، لأن الله تعالى حذر رسله منه وأمرهم أن يحذروا أممهم منه «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ» من كافة خلقي «فَلا يَضِلُّ» في دنياه «وَلا يَشْقى» ١٢٣ بآخرته وإبليس محروم ومقطوع له بالشقاء بالدنيا ومجزوم بعذابه في الآخرة، قال ابن عباس: من قرأ القرآن واتبع ما فيه فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. ولهذا البحث صلة في الآية ٣٤ فما بعدها من سورة البقرة في ج ٣، قال تعالى «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي» أي الكتاب المعبر عنه بالهدى الذي فيه ذكره، وأعرض عن الرسول المذكر به «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً» في هذه الدنيا «ضَنْكاً» ضيّقة وضنك وصف يستوي فيه المذكر والمؤنث، قال ابن عباس كل ما أعطي لعبد في هذه الدنيا قل أو كثر ولم يتق فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة، وإن قوما أعرضوا عن الحق وكانوا أولي سعة في الدنيا مكثرين فكانت معيشتهم ضنكا لأنهم
يرون أن الله ليس بمخلف عليهم ما ينفقونه، وينسون ما أنعمه عليهم ابتداء وقد ولدتهم أمهاتهم مجرّدين فاشتدت عليهم معايشهم من سوء ظنهم بالله. وقال ابن جبير: يسلبه القناعة حتى لا يشبع فمع الدين التسليم والقناعة والتوكل فتكون حياتهم طيبة، ومع الاعراض الحرص والشح فعيشته ضنك، وحالته مظلمة، كما قال بعض الصوفية لا يعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته، وتشوش عليه رزقه ولهذا قال تعالى «وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ