١٢٤ فاقد البصر لأنه يحشر على وجهه فلا يرى ببصره ما يراه غيره، لأنه منكوس، وإلا فإن الله تعالى يعيد للأعمى بصره يوم القيامة، وكذلك مقطوع اليد والرجل وغيرها من القلعة بحيث يحشر كاملا كما ولد، ونظير هذه الآية الآية ٣٢ من سورة الفرقان المارة والآية ٩٧ من سورة الإسراء الآتية، قال بعض المفسرين فاقد الحجة جاهل بوجود الحق كما كان في الدنيا إذ يطلق على الجاهل في الأمر أعمى لأنه لا يعرف المخلص مما يقع فيه، كما أن الأعمى لا يعرف الطريق الى مبتغاه، قال عليه الصلاة والسلام من لا يعرف الله في الدنيا لا يعرفه في الآخرة، الا أن سياق الآية يؤيد التفسير الأول لموافقته لظاهرها وعليه المعول إذ لا يعدل عن الظاهر إلا عند إمكان التفسير به «قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى» اليوم في الآخرة «وَقَدْ كُنْتُ» في الدنيا «بَصِيراً»«قالَ كَذلِكَ» مثل ما فعلت بنا في الدنيا فعلنا بك في الآخرة حيث «أَتَتْكَ آياتُنا» فيها «فَنَسِيتَها» ولم تعمل بها ولم تتبع من أتاك بها «وَكَذلِكَ» مثل نسيانك هذا لآياتنا في الدنيا «الْيَوْمَ تُنْسى» ١٢٦ في الآخرة من خيرنا، ولهذا حرمناك الآن نعمة النظر فيها جزاء وفاقا، فتركك الآن على عماك الذي كنت عليه في الدنيا لأنك لم تستعمل نعمة النظر فيها بآياتنا ومكوناتنا، فتعتبر وتؤمن بل حرفتها لغير ذلك «وَكَذلِكَ» مثل هذا الجزاء الواقع بالمقابلة «نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ» في دنياه ولم يستعمل جوارحه فيما خلقت لها بل صرفها الى المعاصي ولم ينتفع بالنعم التي خلقت لها «وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ» أما من آمن بها واستعمل جوارحه وحواسّه فيما خلقت لها، فأولئك لم ننسهم من الرحمة ولم نحرمهم من الخير، بل نرفعهم الى الدرجات العلى مثل السحرة المار ذكرهم في الآية «٧٠» من الأعراف والآية ٧٣ من هذه السورة «وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى» ١٢٧ من عذاب الدنيا وأعظم مهما رأيتموه شديدا، وأدوم لأن عذاب الدنيا له نهاية ولا نهاية لعذاب الآخرة فضلا عن فظاعته التي لا تكيف، فان قلت قد ورد وان الله تعالى يري الكافر مقعده في الجنة ثم يدخله النار ليزداد عذابا على عذابه وحسرة على حسرته، فمن يحشر أعمى لا يرى ذلك فيكون بحقه