أقل عذابا وحسرة، قلت لأن الله تعالى يرد عليه بصره حتى يريه مقعده ذلك، ثم يسلبه منه، وكذلك الأصم والأبكم، قال تعالى «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ» أي لا أسمع ولا أبصر منهم يوم يأتونه، راجع الآية ٣٨ من سورة مريم المارة والآية ٣، من سورة الكهف في ج ٢، وقال ابن عباس إن الكافر يحشر أولا بصيرا ثم يعمى، فيكون الإخبار بأنه كان بصيرا إخبارا مما كان عليه أول حشره، لانه لو لم يردّ عليه بصره كيف يقرأ كتابه؟ كما يأتي في الآية ١٤ من الإسراء الآتية، ولا يخفى أن ذلك اليوم يوم طويل تختلف فيه أحوال الكفار فمرة يجادلون وأخرى يشكون، وطورا يعمون، وتارة يبصرون أجارنا الله من ذلك، قال تعالى ملتفتا الى كفار مكة «أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ» وقرىء بالنون أي ألم يبين لهم هذا القرآن «كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ» الماضية وهم الآن «يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ» إذا سافروا للشام إذ يمرون بالحجر ديار ثمود وقريات قوم لوط ولا يتفكرون فيما كان عليهم أهلها، وكيف صار تدميرهم، وسببه «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ» واضحات موجبة للاعتبار «لِأُولِي النُّهى» ١٢٨ العقول السليمة يتعظون بها حيث كانوا أكثر منهم أموالا وأولادا وقوة، فلما عصوا رسلهم أهلكهم الله «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ» وهي الوعد بتأخير العذاب ليؤمن من يؤمن منهم ويصر من يصر على كفره وفق ما هو مقدر في الأزل بالتقدير المبرم الذي لا يبدل ولا يقدم ولا يؤخر «لَكانَ لِزاماً» حتما نزوله بهم حالا لا ينفك عنهم أبدا، وكلمة لزام لم تكرر في القرآن إلا هنا وآخر سورة الفرقان، وهي بمعنى
لازم وصف به للمبالغة، وهكذا يؤتى بالمصادر بدل اسم الفاعل بقصد المبالغة «وَأَجَلٌ مُسَمًّى» ١٢٩ بالرفع عطف على كلمة في (ولولا كلمة) أي لولا كلمة سبقت بتأخير عقوبتهم وضرب أجل لوقوعها اما بانقضاء أعمارهم أو بحلول يوم القيامة لما تأخر عنهم العذاب، بل لنزل بهم حالا، ولكن حال دون ذلك تلك الكلمة والأجل اللذان لا يتبدلان، وهنا فيه المقدم والمؤخر وفيه مظنة الغلط لمن لا يعلم ذلك، وهو من أنواع البديع المستحسن وجوده في الكلام البليغ الفصيح، قال تعالى مخاطبا رسوله