والتوحيد، والقصص، والأخيار، والأمثال، والاعتبار، مما هو ثابت في اللوح المحفوظ، فيا أكرم الرسل إنا «نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ» أي من بعض خبرهما كما يفهم من لفظ من، ولأن نبأ موسى مع فرعون لا ينحصر في هذه السورة كما علمت مما مر وما يمر عليك بعد، وهذا الإخبار «بِالْحَقِّ» الواقع لنتلوه «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ٣ به فينتفعون بأحكامه، أما غير المؤمن فلم تنفعه الموعظة، ثم شرع يقص ذلك النبأ فقال: يا حبيبي «إِنَّ فِرْعَوْنَ» ملك مصر الوليد الرباني «عَلا فِي الْأَرْضِ» تجبر وتكبر وترفع على أهلها وما حولها «وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً» فرقا بقصد إضعافهم وجعلهم صنوفا في خدمته وخدمة زملائه، قهرا فصاروا يشايعونه على ما يريد بحيث لا يملك أحدهم أمر نفسه ولا يقدر على مخالفته وأنه «يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ» أي بني إسرائيل ولا يعاملهم معاملة القبط قومه، ولا يعدل بينهم إذ يكرم القبط ويهفي بني إسرائيل ويضيق عليهم، فيستخدمهم ويسخرهم ويسىء إليهم، وهم لا يعارضونه بشيء من ذلك، وقد حدا به العنفوان إلى استرقاقهم وتشغيلهم بأنواع الخدم الشافة ولم يكتف بذلك حتى صار «يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ» إذلالا لهم «وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ» أي يبقيهن أحياء ليستعملهنّ هو وقومه في مصالحهم وذلك أنه أخبره بعض كهنته بأنه سيولد منهم ولد يكون سببا في خراب ملكه، ولهذا وقع الخوف في قلبه، فصار يذبح الذكور ويبقي الإناث، وقد استكانوا له حذرا من ذبح الكبار ايضا «إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» ٤ الراسخين في الفساد لكثرة ما أوقعه فيهم من القتل بسبب ما تخيله من قول الكاهن زيادة على اعماله القبيحة معهم، بقصد اصغارهم، ولذلك جعلهم شيعا لئلا تتفق كلمتهم فيناوئوه ومن هنا أخذت قاعدة (فرق تسد) وصارت الحكومات الغاشمة إذا استولت على غيرها قسمت بلادها الى حكومات صغيرة، وأوقعت التنافس بينهم ليشتغلوا بعضهم ببعض، ويركنوا للمولى عليهم، قال تعالى «وَنُرِيدُ» بعد أن أظهر فرعون تماديه على الكفر واسترقاق بني إسرائيل «أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا» منهم «فِي الْأَرْضِ» من قبله ونهلكه وقومه ولننعم ونتفضل